مستقبل التعلُّم
كل عام وأنتم بخير، ومع أول مقال في عام 2023 لا يسعني إلا أن أكتب عن أهمية التعلُّم، سواء للأفراد أو للمؤسسات، فمازال وسيظل التعلم هو ما يشكل الفارق الجوهري في حياة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات؛ ففي أحدث تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي جاء أن نصف الموظفين على مستوى العالم بحاجة إلى تدريب مكثف لإعادة تأهيلهم مهارياً بحلول عام 2025، هذا بخلاف من فقدوا وظائفهم، أي أن نسبة البشر الذين يحتاجون إلى تدخل سريع لتعلم مهارات جديدة أو تحديث مهاراتهم هم أكثر بكثير من نصف الموظفين. وأشار التقرير إلى أن المؤسسات بحاجة ماسة وعاجلة للانخراط في ثورة تعلم لمعالجة آثار وباء كورونا وما نتج عنه من انكماش للاقتصادات العالمية . الأكثر أهمية في التقرير هو التركيز على بناء ثقافة التعلم، حيث إن التعلم هو السبيل الوحيد لاستمرارية الأعمال في المستقبل.
تقول ليندا كاي نائب رئيس شركة «لينكدإن»، إن التعلم منوط به مساعدة المؤسسات على تحديد اتجاهاتها وسبر أغوار المجهول في المستقبل الذي يلفه الغموض والتعقيد، والفوضى التي تعم أرجاء العالم. وفي التقرير السنوي للشركة نفسها تم الكشف عن أن 74% من مديري التعلم والتطوير يؤمنون بأن التعلم لم يعد نشاطاً واحداً أو مجموعة دورات تدريبية تقدمها إدارة التدريب، لكنه أصبح نشاطاً اجتماعياً يحدث في مختلف الإدارات والوحدات التنظيمية بالمؤسسة، كما يرى 87% من المديرين أن أنشطة التعلم تسهم بشكل جذري في إدارة التغيير والتطوير بالمؤسسة، وأن أهم الموضوعات التي يجب التركيز عليها في التعلم هي بالترتيب: الإدارة والقيادة، تنمية المهارات وتعلم مهارات جديدة، التحول الرقمي، وأخيراً التنوع والدمج الثقافي. كما أشار التقرير إلى توجهات عدة سيتم التركيز عليها في المستقبل، وينبغي أن تستحوذ على اهتمام متخذي القرار.
ويشير التقرير إلى توجهات مستقبلية عدة للتعلم: التوجه الأول سيكون الاهتمام بالتعلم «أونلاين»، حيث زادت ميزانيته بنسبة 57% العام الماضي، وبالطبع يمكن أن نفهم ذلك من الربط مع الاستثمارات في التحول الرقمي، ففي عام 2022 كانت نسبة الإنفاق على التحول الرقمي 1.6 تريليون دولار أميركي، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.4 تريليونات دولار بحلول عام 2026. التوجه الثاني في مستقبل التعلم هو التركيز على التعلم الاجتماعي بصوره المختلفة، والتي يغلب عليها طابع التعلم من التجربة ومن الآخرين، فالتعلم الاجتماعي هو الجسر بين المعرفة والتغيير السلوكي. إن 70-90% من التعلم هو تعلم اجتماعي. التوجه الثالث هو ما يسمى Bite-sized learning، أي جرعات مكثفة ومختصرة من التعلم، حيث ثبت أن الموظفين غالباً يقضون تقريباً 24 دقيقة في التعلم أسبوعياً، وبالتالي فالمناسب هو جرعات مكثفة ومُعدَّة بعناية، ويمكن القول إنها «كبسولات تعلم»، وبالتالي فالأفضل من الدورات الطويلة هو تقسيمها إلى كبسولات. التوجه الرابع هو التوسع في استخدام الفيديو في التعلم، حيث إن المخ يستوعب المادة المرئية 60 ألف مرة أسرع من المادة المقروءة. التوجه الخامس هو استحداث نظام تعلم متكامل «Ecosystem» يتم فيه دمج: العاملين، العملاء، التكنولوجيا، قواعد البيانات، المحتوى والسياق العام لعملية التعلم. أتمنى لكم عاماً مليئاً بالتعلم والإنجاز والنجاح.
Alaa_Garad@
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.