تمنيتُ أكثر
ما بين عام وعام ينساب العمر سريعاً وتتعاقب الأيام فلا تأبه لمتخاذل ولا تتنظر كسلاناً.. ما بين عام وعام نفتح كل صباح ستائر الأيام لنستقبل نور الكون وصخب الحياة، ثم ما نلبث أن نُسدلها مع مغيب الشمس فلا ندري كيف رحل الوقت وانقضت الساعات.
عام مضى يودعنا ويرحل تاركاً لنا الحصاد، تمنيت بعده لو قلت فيه كل يوم أنا ألف «أحبك»، فبعض البشر في حياتنا حياة، تمنيت أن أقدم فيه كل يوم لعينيك ألف اعتذار عن كل السخافات.
عام مضى، وددت لو رأيت فيه كل يوم وجه أمي كي أجدد في قلبي نقش ملامحها التي يغيرها الزمان، أو هاتفت فيه كل يوم عمتي المسنة، أفاجئها بالسؤال فتمطرني بالدعوات.
عام مضي، تمنيت بعده لو أعطيت أبنائي من عمري أكثر، ومن وقتي أطول، ومن جهدي أكبر، تمنيت لو ضحكت معهم من قلبي على النكات التافهة وسخرت من المواقف المحرجة، وتغاضيت عن الأخطاء والزلات.
عام مضى، تمنيت بعده لو توقفت عن القلق وعن الركض خلف صورة لا تكتمل، وعن الصراع على كل الأشياء التي نكتشف بعدها كم كنا أغبياء.
عام مضى، تمنيت بعد رحيله لو بحثت فيه عن صديقتي القديمة تلك التي علمتني أن الحب والمال والسعادة والصحة كلها بيد الله جل وعلا، وما عند الله لا يؤخذ أبداً بمعصيته، بل بالطاعة والدعاء.
عام مضى، تمنيت فيه لو هدأت أكثر مع كل مشكلة، فها أنا ذا قد تجاوزت الكثير منها على مدار العام، فكل المشاكل حتماً إلى انقضاء.
عام مضى، تمنيت فيه لو مددت يد الخير أكثر وأطعت الله أكثر وكففت لساني عن الناس أكثر، وترفعت فيه عن الضغائن والصغائر أكثر، وأعدت فيه ترتيب حقيبة الرحيل بما يليق بعظيم اللقاء.
تمنيت لو قرأت كل الكتب التي بدأتها وتوقفت بلا أعذار، وانتظرت هي كل ليلة عودتي فخذلتها، تمنيت لو حافظت على خبيئتي وعلى مكاني في المصلى البعيد على أطراف المدينة، فقد كان مخبأي وملاذي في الشدائد والأزمات.
عام مضى، وآخر جديد جاء مسرعاً في بدايته يطرق أبوابنا ويرقب أفعالنا ويسجل أقوالنا ويشهد على أعمالنا ويمنحنا فرصة أخرى، أدعو الله عز وجل لي ولكم ألا تكون الأخيرة، يدعونا أن نغتنمه قبل أن يغادرنا كباقي الأعوام، وأن نحقق فيه كل هذه الأمنيات.
• تمنيت لو قرأت كل الكتب التي بدأتها وتوقفت بلا أعذار، وانتظرت هي كل ليلة عودتي فخذلتها.
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.