«نلتقي»
أقلام وأقدام
ضجّت شبكات الأخبار العالمية ومواقع التواصل بالحديث عن صفقة لاعب كرة القدم رونالدو مع فريقه الجديد «النصر» السعودي بقيمتها البالغة 200 مليون دولار سنوياً، وانشغلت أزرار الآلات الحاسبة بمعرفة كم يتقاضى في الدقيقة والثانية الواحدة. ففرح للصفقة أصحاب الأقدام؛ وتحسّر لها أرباب الأقلام.
فمن المبدعين من يذيب نور عينيه ويحرق أعصابه طيلة حياته مقابل مردود بضعة أيام من الصفقة الرونالدية، اللهم لا حسد. ولكن أليست المفارقة مؤلمة أن فان غوخ - أحد أكبر رسامي العالم - يموت منتحراً فقيراً يلامس حافة الجنون بعد أن رسم 2000 لوحة لم يستطع بيع واحدة منها في حياته، وبعد ذلك تباع لوحاته بعشرات ملايين الدولارات؟! ما يذكرنا بعالِم عربي ندين له بعلمين كبيرين هما علم العروض وصناعة المعاجم وهو الخليل بن أحمد الذي قال عنه تلميذه بأنه أقام في كوخ بالبصرة لا يملك فلسين والناس تكسب بعلمه الأموال.
أعلم جيداً أن قانون العرض والطلب هو من رفع أجور اللاعبين إلى هذه المستويات الخيالية، فالرياضات الشعبية تقوم عليها صناعات وتستقطب إعلانات تدرّ الملايين، فمن المنطقي لصانعي الفرجة أن ينالوا حصتهم كاملة من كعكة الأرباح. ولكن لفتتني المفارقة بين من يضع كرة بين رجليه ومن يحمل كرة ثانية تسمى رأساً فوق أكتافه، وشتان ما بين الكرتين.
وللطرافة حتى بعض الجوائز التي يمكن أن تقلب الحظ العاثر للمبدع وتخرجه من تعاسته المزمنة، لا قيمة مادية لها فجائزة «البوليتزر» الشهيرة لا تتجاوز قيمتها 1000 دولار، أما أشهر جائزة في الأدب الفرانكفوني «الغونكور» فقيمتها دعوة الكاتب الفائز لتناول الغداء فى مطعم «دوران» بباريس. ولولا ما ينتج عن الفوز بهذه الجوائز من ارتفاع مبيعات الكِتاب لأنشد أصحابها مع الشاعر البائس عبدالحميد الديب:
أخلقتَني يا ربِّ أم أنا واهمٌ.. أنا ما خُلقتُ لأنني لم أرزقِ
لا يمكن تجسير الهوّة بين اللاعب والكاتب، وما على المبدع والعالم سوى أن يكتفي بلذة العلم ويتعزى بما كان يقوله أسلافه: «لو علِم الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم لقاتلونا عليه بالسيوف»، ولكن حين يصطدم بمتطلبات الواقع سيسمع حتماً جواب «ماريا» الفتاة التي أحبّها شارل ديكنز حين خطبها: «ديكنز شاب لطيف لكنه أديب فهل يستطيع أن يعولني بقلمه؟!».
• لفتتني المفارقة بين من يضع كرة بين رجليه ومن يحمل كرة ثانية تسمى رأساً فوق أكتافه، وشتان ما بين الكرتين.
DrParweenHabib1@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.