الحرب الباردة دخلت بيوتنا
لأننا نعيش في عالم مفتوح لا حدود له، ولأننا نتواصل في ما بيننا عبر فضاء إلكتروني يتداخل في محتواه الكثير من الأطراف، فقد بات من الصعب السيطرة على ما يصلنا من رسائل سواء لنا أو لأولادنا أو حتى لشبابنا، ومهما حاولنا فعل ذلك إلا أن الأمر يبقى معقداً وبعيد المنال إلى حد كبير.
الكثير من دول العالم لديها أجنداتها الخاصة والواضحة في تغيير السلوك الاجتماعي وجعله ينجذب نحو أمور خادشة للحياء وخارجة عن العادات والقيم والتقاليد وحتى الإنسانية والطبيعة البشرية في بعض الأحيان، وكل فترة تخرج علينا موضة جديدة يروج أصحابها لها بكل شراسة مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، ومنصات الأفلام والمسلسلات عبر شبكة الإنترنت والألعاب، وللأسف جميع هذه الأمور تكون ممنهجة ومدروسة وتأتي بطريقة خطوة خطوة، فما لبثنا أن تصدينا لترويج الشذوذ حتى وأتى من يروج للبيدوفيليا والتي تعني الانجذاب الجنسي للأطفال، وهناك محاولات لقبول مثل هذا الأمر رغم أنه ينافي جميع القيم الإنسانية والقوانين الدولية، ولكن كيف سيتم تمريره؟ لا تسألوني كيف، لأن هذه لعبتهم فقد أصبحوا خبراء في ذلك.
صحيح أننا لا نعيش الحروب الساخنة بشكلها القديم ولا نعيش الاستعمار التقليدي، ولكننا نواجه اليوم حرباً باردة على قيمنا وعاداتنا ومفاهيمنا الإنسانية وحتى على طبيعتنا البشرية، وهناك غزو واضح واستعمار فكري ممنهج لتغيير العقول وطريقة تفكيرها وأيضاً طريقة تقبلها وتعاطيها لما يدور حولها من مستجدات، ومحاولة جعل الجميع لديه فكرة القبول والتنازل والانجرار للمحظور رويداً رويداً، والخوف ليس على أجيال تعرف القيم وتحاول غربلة ما يصلنا من رسائل وأجندات، بل الخوف كل الخوف على أجيالنا الجديدة التي لن تستطيع أن تُميز بين الصواب والخطأ، فكل ما تشاهده هو محاولة لإدخال أفكار قد لا يرونها شاذة في قادم الأيام.
مشكلتنا الأساسية أن تلك الحرب الباردة قد أتت على كل الثوابت التي نحترمها ونقدسها، ودخلت ومازالت تدخل بيوتنا في اليوم عشرات المرات، فكيف نتصدى لها وكل من حولنا يحاول تمريرها بشكلٍ أو بآخر؟! وما أن تغلق باباً حتى يفتحوا لك ألف باب، والحقيقة أنني أجد محاولاتنا لإغلاق الأبواب لن تنفع ولن تنجح، بل علينا المواجهة أولاً بتصدير فكرنا المتسامح المنسجم مع المبادئ البشرية ومع القوانين المدنية، وثانياً بأن نتصارح مع أجيالنا وشبابنا ولا ندعهم يواجهون التحدي وحدهم، فنحن إلى حد كبير غير واثقين بكيفية تعاطيهم وتقبلهم لمثل هذه الأفكار، فقد يخّيل لهم بأنها أمور طبيعية خصوصاً أنهم لم يعيشوا الصراع الداخلي بين الصواب والخطأ لعدم وجود مقاييس حقيقية يبنون عليها كلا الجانبين.
أحزاب ومنظمات ودول وشركات وملايين من الدولارات تُصرف لتغذية هذه الأفكار وجعلها جزءاً من حياتنا، فقد يقول البعض كيف سأواجه كل هذا وحدي وأنا العبد الفقير لله؟! ولكن اعلم أن هذا العبد الفقير لله سينتصر ويعيد تشكيل مجتمعه على أسس ذات قيم وثوابت واضحة، فلا تقفوا مكتوفي الأيدي ولا تنتظروا أن يقرع الباب ويقع الفأس بالرأس، بل كونوا مستعدين ولا تستغربوا من كل ما يثار حولكم، فالأفكار الشاذة باتت محط الأنظار والكثيرون يريدونها لتمرير أفكارهم وأهدافهم، والقادم أعظم؛ هذا ليس قولي بل قول شخصيات كان لها تأثيرها في تمرير بعض هذه الأفكار والأجندات. قبل أن تتجمد الروابط داخل أسرنا ونصبح غير قادرين على معالجة الأمور جراء الحرب الباردة التي تغزو الفكر وتريد تغيير كل القيم والثوابت.
twitter.com/dryalsharif
محامٍ وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.