عيون المعلمة البريطانية
قال لي صديقي الأكاديمي المصري إنّه بعد أكثر من 25 عاماً قابل معلمته البريطانية، مس فانيسا، في مؤتمر لدراسات الشرق الأوسط في واشنطن.
كانت معلمة اللغة الانجليزية في جامعة الإسكندرية، وهي الآن أستاذة تاريخ الشرق الأوسط في كبرى الجامعات البريطانية. وسألتُه كيف تعرّف عليها بعد مرور ربع قرن من الزمان، فقال لي «يا صديقي العزيز، العيون لا تشيخ!» وطفق يحدثني عن العيون.
يمكن لعيون الشخص أن تكشف عن مشاعر عدة. يمكن أن تنقل النظرة البسيطة أو التحديق الفارغ أو الحَوَل البسيط معنى عميقاً. إن القوة التعبيرية للعيون البشرية تجعلها الأداة الأدبية المثالية لتنمية الشخصية في الكتابة الخيالية. العيون هي بمثابة نافذة على الأرواح، كما يقول وليام شكسبير.
وقرأ عليّ، والدموع تترقرق في عينيه، نسخة كان قد احتفظ بها لخطاب توصية من مس فانيسا للجامعة الكندية التي التحق بها ليبدأ دراساته العليا في الأدب الإنجليزي.
«أود أن أقدّم دعمي القوي لطلب فلان.. للدراسة في برنامج الدراسات العليا في جامعتكم الموقرة. لقد كان من دواعي سروري أن أكون أستاذة هذا الطالب في برنامج اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة الإسكندرية من 1970 - 1972. جاء... إلى برنامج اللغة الإنجليزية بمعدلات عالية من المدرسة الثانوية الحكومية، ولكن كفاءته كانت تعتمد إلى حد كبير على نظام تعليمي شدّد في كثير من الأحيان على الحفظ والتكرار واختبار قدرات الطالب على تذكر مئات الأبيات الشعرية وقواعد النحو مع عينات توضيحية. لم يكن ذلك في حد ذاته بدون قيمة ما، لكنه لم يعده لتلبية المتطلبات الأكاديمية الصارمة للقراءة والبحث والفكر النقدي المستقل حسب مناهجنا البريطانية التي جئنا إلى جامعة الإسكندرية لتطبيقها، وهي المتطلبات المتوقعة في الأكاديميات الغربية عموماً. قد يفسّر هذا جزئياً مستويات الأداء المتواضعة في فصوله الدراسية الأولى، ولكن المثابرة وتلقي الجرعات الجيدة من التوجيه الأكاديمي والتشجيع، أدت إلى أن أظهر هذا الطالب الجامعي الشاب قدرته الحقيقية على الوصول إلى مستويات عالية من الأداء الأكاديمي. أنا متأكدة أن قبولكم لطلب... وحصوله على منحة دراسية سوف يسعده كثيراً لأن من شأنه أن يتيح له الفرصة للانخراط في برنامج دراسات مع أقرانه من مواطنيكم، وهو حريص على أن يشمِّر عن ساعديه كي ما يبدأ دراسته في جماليات الرواية الانجليزية. لاشك أنه يميل لدراسة الأدب وللكتابة الإبداعية فهو يطمح أن يكون روائياً يوماً ما. في كورس الكتابة الأكاديمية الذي كنت أدرّسه، كان يقدم لي قصة قصيرة بدلاً من مقال حول موضوع الواجب المنزلي. لفترة أثار قلقاً عندي لأنني اكتشفت أنه لا حدود واضحة عنده بين الواقع والخيال، فهو يبدو دائماً حالماً. قال لي ذات مرة: «لا أطيق العيش في حياتي؛ عنواني الحقيقي هو في 21 شارع الخيال في حي الإبداع!».
أقول لكم بثقة إن... طالب واعد يحب المعرفة ولا يتردد في المبادرة بالبحث عنها أينما كانت، فإذا تخيلنا أن العالم حولنا قد تجمّد، فسنجد هذا المصري بالتأكيد أول من يخرج من المخبأ إلى الشارع لمعرفة ما إذا كان المشي في الطرقات أضحى آمناً لبني البشر.
في الختام أود أن أؤكد على أنني سعيدة، بل حريصة على أن أقدم دعمي القوي لمساعيه المعرفية وأن أوصي به بلا أدنى تحفظ.
المخلصة مس فانيسا».
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.