كرة القدم والفرجان
في ظل موجة الغضب والإحباط الذي وصل إليه مواطنونا ومحبو منتخبنا بعد الأداء الضعيف وغير المرضي في بطولة خليجي 25، التي تقام في البصرة هذه المرة، كان لابد لي أن أشارك بوجهة نظري في هذا الشأن، ولكن من منظور مختلف أو بمعنى أصح من زاوية مغايرة.
هذا بالطبع بعد أن أؤيد ما صرّح به صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، حيث قال إن ما يلزم صرفه وتخصيصه من نفقات يجب أن يكون بالدرجة الأولى لصالح أبنائه المواطنين وليس للاعبين الأجانب أو حتى المقيمين، ذلك لأن هدف سموّه هو الاستثمار في أبناء الوطن والقضاء على أوقات فراغهم، هذا فضلاً عما تحدّث عنه الزملاء الإعلاميون والصحافيون واستفاضوا فيه من تحليل لما جرى مع المنتخب.
ولكنني أردت أن أطرح سؤالاً: ماذا عن أجيالنا الكروية؟ لماذا لم تعد دولتنا ولّادة لمواهب وأسماء قادرة على تمثيل المنتخب خير تمثيل؟! ولماذا اختفت كرة القدم من الفريج والمدارس؟! وهل لهذا الأمر نتائج وعواقب على مستقبل أجيالنا ودولتنا؟!
في الحقيقة لم نعد نشاهد أطفالاً يرسمون ملعباً على الرمال في الفرجان، ولم نعد نجد البطولات التي كانت تقام سابقاً بين الأولاد في الفريج ولا ذلك الشغف الذي كان يلازم تلك التحديات التي كانت تُخرج لنا مواهب في كرة القدم، ونحن في أمسّ الحاجة لهذه الفئة لنبني جيلاً جديداً بطموحات أكبر.
أستغرب لماذا لم يعد هناك اهتمام بكرة القدم في المدارس، وأصبح كل ما نشاهده عبارة عن استعراض أو فرض عضلات من قبل بعض المدارس في استقدام أسماء كبيرة للتدريبات الصيفية، وعادةً ما تكون بمبالغ طائلة، والهدف منها أن يقال إن المدرسة الفلانية أتت باللاعب العلاني، وللأسف تجد من يسجلون في مثل هذه الدورات ليسوا من محبي كرة القدم بقدر من هم لديهم القدرة على دفع الرسوم.
وبالطبع يكون هدف الأهل هنا ليس بناء لاعب محترف، فهذا ليس من ضمن خططهم، بل هدفهم الأساسي هو التماشي مع البرستيج العائلي والتفاخر بين الأصدقاء، وذلك ليس ما نبحث عنه أو نحتاجه على الإطلاق، فلم يضعنا في الخلف من الأساس سوى هذا النوع من التفكير.
لو كان الأمر بيدي لنظمت دورياً للمدارس وطالبت الجهات الإعلامية بتغطية الحدث ولقمت بنقل البطولة أو تصفياتها النهائية على الأقل على الهواء مباشرةً، فلا يوجد أكثر من قنواتنا الرياضية المحلية التي يمكنها أن تفعل ذلك، ولا يوجد لدينا ما يمنع من دعم مثل تلك البطولات التي رويداً رويداً ستكتسب شهرةً معينةً ويصبح لها أبطال، وتخلق حيزاً جيداً من المنافسة وصناعة النجوم، وهذا ما نحن بحاجة إليه في هذه الأوقات أن نساعد على اكتشاف أصحاب المواهب ونقوم بتسليط الضوء عليهم، حتى نؤهلهم لأن يصبحوا لاعبي كرة قدم محترفين، ونهيئ لهم الفرصة ليبنوا مستقبلهم ومستقبل بلادنا في هذه الرياضة الجماهيرية.
في الحقيقة نحن بحاجة إلى أن نعيد النظر في طريقة تفكيرنا وتعاطينا مع مشكلة منتخبنا الوطني لكرة القدم بشكل خاص، وأيضاً مع نوادينا ومنظومتنا الكروية بشكل عام، ولنعود للأساس ونبتعد عن الشكليات التنظيمية التي كثيراً ما أربكتنا، ولنفكر جدياً بكيفية صناعة منتخب يليق بدولتنا ويكون قادراً على المنافسة والمشاركة في البطولات الكبرى، خصوصاً أن بطولة مثل كأس العالم ستكون حظوظ مشاركة الفرق الآسيوية أكبر في النسخ المقبلة منها، بعد التعديلات التي طرأت على البطولة وعدد المنتخبات المشاركة فيها.
ومن الآن يجب علينا أن نفكر في حجم وشكل مشاركتنا في البطولات العالمية وغيرها، سواء كانت قارية أو على مستوى المنطقة، والبداية ليست في اتحاد كرة القدم وإن كان هذا أمراً يجب علينا أخذه بعين الاعتبار بشكل كبير، ولكن البداية الحقيقية تكمن في دعم المواهب في الفرجان والمدارس، وإعادة الشغف إلى أجيالنا وشبابنا للعب كرة القدم وتمثيل منتخبنا وأنديتنا، وتجهيز جيل كروي يُحترم ويرحم شعبنا من الضغط الذي أصابهم من نتائجنا الكروية المخيّبة.
twitter.com/dryalsharif
محامٍ وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.