أحلام الصبايا
تلك المخبأة في حشايا القلب، وبين صفحات الروايات القديمة، ودفاتر اليوميات الخاصة، وعلى أحرف القصاصات الوردية، وفوق وسادة المساء وأمنيات ما قبل النوم، وفي الآمال التي لم تختبر بعد الإخفاق والخيبات.
تلك المخبأة في زجاجات العطر، وبين ثنايا الملابس والهدايا التي تحتفي بالقادمات من عالم الطفولة.
تلك التي تتراءى نهاراً في المرايا الصغيرة، وتتراقص مع أشعة شمس الغروب على حافة الأنهار، وترسمها الأيادي الغضة على رمال المصايف.
تلك التي لا تعترف بمنطق الأشياء أو حديث العقل، ولا تسمع صوت المستحيل، ولا تسمح إلا بما يوافق هوى النفس وسعادة القلب.
تلك التي تفتح ذراعيها للحياة بلا خوف أو تَحسب للفشل، تلك التي ترى الطريق واحدة بلا خيارات أو بدائل، تلك التي تريد أن تسابق الزمن، وتختصر الحاضر، وتعيش مستقبلاً لم يحن أوانه بعد.
تلك الصورة المكتملة في الخيال، والألوان الزاهية البهية التي لا تقبل طمساً أو نقصاناً، والسعادة التي يفترض أن تدوم بلا منغصات.
تلك المتألقة في كل الأوقات، والعصية على الكسر أو الإحباط، القادرة على تخطي الصعاب وتجاوز العثرات.
تلك التي تخلق من العدم ألف ممكن، وتعيش في عالم خاص ودنيا بعيدة عن الواقع وعن الأحزان والخذلان.
تلك التي تمتلئ غنى عن الناس، واكتفاء مادياً، وحباً متأججاً لا يهدأ، ونجاحاً عملياً، وزواجاً سعيداً في مقبل الأيام، وأبناء أذكياء نجباء.
تلك التي تصل حد السماء بحثاً عن المجد والشهرة والسمعة، ولا تعترف بفوارق أو قواعد أو تقاليد وأعراف.
تلك هي أحلام الصبايا، تطلعات لا تنتهي، وشغف بالحياة، وإقبال عليها بلا حساب أو تعقل، أحلام جامحة، تحتاج إلى هدهدة وتقويم من الأهل لتهبط من علياء الخيال إلى واقع مفتوح على اختيارات كثيرة، واحتمالات النجاح والفشل والسعادة والتعاسة، وكل الأشياء وضدها.
أحلام صبايا الألفية الثالثة تختلف جوهرياً عما حلمنا به نحن الأمهات حين كنا في مثل أعمارهن، هكذا التغيير والتطور سنة الحياة وسمتها، لكن لا يجب أبداً أن تتجاوز تلك الأحلام قواعد التربية السليمة والشخصية السوية التي تعرف حدودها، وتتمسك بأهدافها طالما كانت مشروعة، ولا تتجاوز الضوابط الدينية والأخلاقية، وأحد أفضل الوسائل لذلك هو الحوار المفتوح، الذي يقدّر فارق العمر والخبرة والانفتاح على عالم وثقافات تختلف كلياً عنا.
صبايا اليوم هن أطفال الأمس، وشابات الغد القريب، وأمهات المستقبل، بهجة البيوت وأنسها، وأحلامهن الصغيرة جزء من تكوينهن الفطري، لا يجب أبداً أن تكون محلاً للنقد أو مادة للسخرية، إنما يجب أن تُقابل بالاحتواء والتوعية والإقناع.
• «تطلعات لا تنتهي، وشغف بالحياة، وإقبال عليها بلا حساب أو تعقّل».
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.