«نافس» والمحتالين
خلال الأيام الماضية، أثار خبر حبس صاحب شركة تحصّل لنفسه بطرق احتيالية على مبالغ مالية من (296) متدرباً في برنامج نافس، الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً لم يتوانَ أي مواطن عن نشر الخبر في جميع المنصات، وعبر مجموعات الـ«واتس أب»، لينكشف هذا الشخص على حقيقته، حيث إنه اشترط على المتدربين سداد مبالغ مالية مدعياً أنها ضمن مبادرة للتبرع للأعمال الخيرية، وقام بتهديدهم أنه في حال عدم دفعهم له، سيقوم بتقييم تدريبهم بدرجة (راسب).
برنامج نافس ما هو إلا مبادرة لتمكين شبابنا وقوانا العاملة للدخول إلى القطاع الخاص، ونحن حقاً بحاجة ماسّة لمثل هذا النوع من البرامج، لتشجيع دخول المواطنين إلى سوق العمل في القطاع الخاص، إلا أننا يجب ألا نغفل أن هناك من سيحاول التحايل على هذا النظام، أو على القوانين الحاكمة له، أو حتى استغلاله للتهرب من دفع الراتب كاملاً للمواطنين العاملين في القطاع الخاص.
ودعونا نعد إلى موضوع التدريب، فكما حدث مع صاحبنا المحتال، من الممكن أن تتكرر هذه الحادثة مرات أخرى كثيرة مستقبلاً، فهناك للأسف من يستغل هذا الأمر للتكسب منه، وفي المقابل، هناك شباب مستعدون لأن يدفعوا مقابل حصولهم على ما يثبت أنهم تلقوا التدريب، في حين أنهم لم يحصلوا عليه بتاتاً، وهذه أيضاً مشكلة وتجب محاسبة صاحب الشركة والشخص الذي يتحايل على البرنامج بمثل تلك التصرفات، فالأساس هو تدعيم قدرات الشباب وتمكينهم مهارياً، وليس فقط التحايل على النظام ومحاولة إثبات أن الموضوع مجرد حبر على ورق وشهادات وخبرات زائفة.
القطاع الخاص في الدولة قطاع غني بالعديد من الوظائف ذات المستوى العالي، وهناك مجال أن يتم إشراك المواطنين ضمنها دون أن يتحمل «نافس» أي التزامات مادية أو علاوات أو امتيازات، فهناك شركات خاصة كبرى تدفع رواتب خيالية لموظفيها، ويجب إشراك المواطنين أصحاب الكفاءات ضمن هذه الفرص، ولا يُعقل أن تكون هناك شركة عالمية أو حتى محلية تدفع راتباً عالياً لموظف لديها وتؤمن له بدلات مدارس وتذاكر سفر، وتأتي عند الموظف المواطن وتريد الدعم من «نافس»، فهذه النقطة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار! كما يجب أن تتم محاسبة من يقوم بذلك الفعل.
هناك 50 ألف مواطن يعملون في القطاع الخاص، هذا ما أفاد به الأمين العام لـ«نافس» غنام المزروعي، وهذا رقم جيد، ويضيف الكثير لمستقبل قطاعاتنا الوطنية، ولكن السؤال الأهم؛ كم نسبة المواطنين الذين يعملون في مناصب إدارية عليا؟ أو كم مواطن يتسلم إدارة مشاريع كبرى؟! فمن واجبنا أن نقدم إحصاءات وإجابات عن هذا السؤال، حتى نتمكن من تعزيز وجود المواطنين في مثل هذه المراكز التي نحتاجها للحفاظ على مستوى عالٍ من الكفاءات الوطنية.
قبل أيام تم الإعلان أن هناك جائزة ستقدم لمنتسبي «نافس»، سواء للمواطنين العاملين في القطاع الخاص أو للشركات، وهذه مبادرة طيبة، وستعود بالنفع الكبير على المنتسبين، حيث ستشجعهم على بذل المزيد من العطاء والاستفادة بأقصى درجة من البرامج والمزايا التي يقدمها البرنامج، ولكن في المقابل يجب أن يكون هناك تقييم حقيقي لجميع فئات المشاركين في «نافس»، وأن يتم وضع عقوبات تجعل المتحايلين أو المستهترين بـ«نافس» وقواعده يفكرون ملياً قبل أن يقدموا على مثل هذه التجاوزات، وأعتقد أن قضية صاحبنا المتحايل، ونشر خبره، وتناوله في جميع الصحف والمنصات، سيجعل الكثير من أمثاله يتوقفون عن ممارسة هذا النوع من التحايل.
في النهاية، يجب على شبابنا وكوادرنا الوطنية أن تعي أهمية «نافس»، وألا يكون أي منهم شريكاً في التحايل أو مساعدة المحتالين في الوصول إلى أهدافهم، وذلك عن طريق التبليغ عن أي تجاوز، وعلى المؤسسات المشاركة أن تكون على قدرٍ من المسؤولية العالية تجاه الوطن الذي تتخذ من أرضه مركزاً لممارسة أعمالها، بأن ترد الجميل لأبنائه بإتاحة الفرص لهم ضمن منافسة حقيقية على الوظائف والمراكز المتاحة لديهم.
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
محامي وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.