بناء الشخصية قبل التعليم
تحدد الاختيارات التي يتخذها الفرد مستقبله، واختيارات الفرد تنبع من شخصيته ومنظومة القيم والمبادئ التي اكتسبها، وبالتالي من المهم أن تركز الأنظمة التعليمية الرسمية وغير الرسمية على بناء شخصية الإنسان منذ الصغر، وتطوير شخصية سوية. إذن الغرض من تطوير الشخصية الجيدة والسوية هو القدرة على اتخاذ خيارات جيدة، حيث تسمح لنا الشخصية بالازدهار كأفراد وكمجتمع، وهذا هو السبب في أن تكون تنمية الشخصية ثم تحقيق التحصيل الأكاديمي هما الغرض الأساسي من التعليم. وكما نردد دائماً فالتربية يجب أن تأتي قبل التعليم، ولكن ما يحدث الآن هو التركيز على الجانب الأكاديمي والتحصيل العلمي فقط، وفي أحسن الأحوال يقوم الأهالي المقتدرون بإلحاق أبنائهم بتدريبات رياضية أو بعض فصول الهوايات كالموسيقى أو المسرح، ولكن لا توجد تربية حقيقية وبناء للشخصية.
بالأخذ في الاعتبار أنه بعد سن معينة يصعب - إن لم يكن مستحيلاً - تغيير شخصية الإنسان، لذلك يتوجب على كل دولة وكل مجتمع أن يكون بناء الشخصية هو الشغل الشاغل وقبل الاهتمام بالتحصيل العلمي، حيث إن التحصيل العلمي والتفوق الأكاديمي سيكون محصلة طبيعية للشخصية الجيدة، وكما قال الفيلسوف لاو تسو: «شخصيتك تصبح مصيرك». لا أفهم كيف يغيب ذلك عن أنظمتنا التعليمية التي تكتفي بحصة «التربية الدينية» التي دائماً ما تركز على العقيدة مع قليل من التعاليم التي تساعد النشء على تعلم كيفية التعامل مع المحيط الذي يعيشون فيه، أين يدرس الأطفال أو يتعلمون كيفية الاهتمام بالآخرين وبالبيئة المحيطة بهم؟ وما هي أساليب التعلم التي يتم توظيفها بخلاف التلقين والاعتماد على الحفظ دون رؤية ممارسات فعلية؟ إن كثيراً من الدول الأوروبية – على الرغم من اختلاف قيمها – لديها أساليب متطورة جداً في إكساب الأطفال والشباب كيفية الممارسة الفعلية للقيم والسلوكيات الحميدة في التعامل، والتي قد تكون أشياء بسيطة جداً، خصوصاً لطلاب المرحلة الابتدائية.
على سبيل المثال في الصفوف الابتدائية الأولى يتعلم الأطفال أن يقولوا «شكراً» و«آسف» و«من فضلك». يتعلمون أيضاً أن يفتحوا الباب للقادم خلفهم في الأماكن العامة كمراكز التسوق أو المرافق العامة، يتعلمون أساليب الحفاظ على النظافة ومفهوم الملكية العامة وعدم التهرب من دفع أجرة المواصلات. يتعلم الأطفال الاعتماد على النفس وطلب المساعدة عند الحاجة، ويتعلمون كيف يحمون أنفسهم من التحرش أو المضايقات، وكيف يقومون بالإبلاغ عن ذلك. يتعلمون كيفية التعبير عن مشاعرهم والتفريق بين وجهات النظر والحقائق.
ما الصعوبة في أن نطبق تلك الأساليب في مدارسنا حتى نساعد الأهل في حمل العبء العظيم ألا وهو تربية الأبناء تربية صالحة وبناء شخصيتهم؟ وما الصعوبة في تربية الأهل أنفسهم ومد يد العون لهم وتعليمهم تلك الأساليب؟ صحيح أنه صعب من الناحية العملية، ولكن يمكن تأسيس أكاديميات متخصصة تعمل جنباً الى جنب مع المدارس، طالما أن الأنظمة التعليمية عجزت وحدها طوال العقود الماضية عن حل هذه المشكلة، فربما يحاول المجتمع المدني أخذ زمام المبادرة والبدء بتلك الأكاديميات أو حلقات التعلم، ولدي تصور كامل للمهتمين بهذا الأمر.
Garad@alaagarad.com
@Alaa_Garad
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.