ما لا يستحق

كانوا تحت الأغطية وحول مدافئ الشتاء ينتظرون الغد ليبتسموا لأطفالهم كعادتهم كل صباح

كانوا يأملون أن تتحقق كل الأحلام المؤجلة وتنفرج المشكلات المستعصية ويتبدل عسر الأحوال لليسير.

كانوا يفكرون بالسنوات الممتدة والأيام البهيجة والنجاح الذي يعوض كل إخفاقات الطريق، كانوا قلقين بشأن اجتماع الغد وتقرير الأداء وتوبيخ التقصير.

كانوا يجهزون للسفر ولحفلات أعياد الميلاد وزواج الابنة الكبيرة والانتقال لمنزل الأحلام وتجديد الأثاث وشراء السيارة الجديدة وغيرها الكثير.

كانوا يتسامرون عبر الهاتف ويتبادلون النكات والقفشات ويرتبون لمباراة نهاية الأسبوع.

كن يتنافسن على جمال الطلة وثراء المظهر وبهاء الحضور وأرصدة الحسابات والذهب والمجوهرات.

كن يشتكين الجارة الحسودة والأقارب ناكري الجميل والصديقات اللواتي دمرن البيوت.

كن يتألمن من ضيق ذات اليد والحاجة وقلة الحيلة ويتعلقن بالدعاء والرجاء علها تكون ساعة إجابة.

كان الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً وشباباً وشيوخاً آمنين في بيوتهم يستعدون لاستقبال الحياة مجدداً مع بزوغ الفجر ويواصلون رحلة شاء القدير أن تنتهي بفزع كبير.

هكذا كان حال أخوتنا ممن شهدوا لحظات الرعب والدمار في سورية وتركيا جراء الزلزال، أوقات عصيبة ونهاية حزينة وشعور قاسٍ على إنسانيتنا جميعاً.

ظروف الحياة وتقلباتها مما ليس لنا نحن البشر حيلة فيه يُظهر ضعفنا وحقيقة وجودنا العابر ويكشف حجم التفاهات التي نتصارع عليها كل يوم وقدر القلق على مالا يستحق.

الظروف التي يعيشها أخوتنا في سورية وتركيا عبرة ودرس عظيم لابد أن نتعلم منه أن رحلتنا يمكن أن تنتهي في أي وقت ودون أسباب وبلا مقدمات وعلينا أن نستعد في كل وقت.

لدينا سلوكيات نحتاج أن نراجع أنفسنا بشأنها ومشاعر دفينة تحتاج لتهذيب وأخلاق حميدة نحو محيطنا ومجتمعنا لابد أن نتخلق بها.

الموت والدمار والخراب مدعاة للشفقة وطلب الرحمة والمواساة وليس أبداً موطن تشفٍ أو تربح على مواقع التواصل الاجتماعي.

هنا في الإمارات فزعة إنسانية كبيرة لا تعرف تفرقة ولا تنتظر مردوداً، هنا عهد قديم متجدد بالوقوف مع الإنسان في مصابه أينما كان وعلى كل مخلص على هذه الأرض الطيبة أن يدعم ذلك ويثني عليه ويمتن له.

وعلينا أن نخبر أنفسنا كل صباح أن الحياة قصيرة ويجب أن نزرع الخير ونتزود به ونتمناه لمن حولنا فهذا جوهر وجودنا على الأرض وما دونه لا يستحق.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.