زاوية

جورج ريزنر عالم المصريات بجامعة هارفارد

د. كمال عبدالملك

عن طريق المصادفة البحتة، أصبح جورج ريزنر (1867-1942) عالم آثار.

لكن أستاذ علم المصريات بجامعة هارفارد، انتهى به الأمر إلى القيام باكتشافات أساسية، وتحويل مسار الأبحاث الأثرية، وخلق مجموعة من الأساليب الحديثة التي تدعم العمل الميداني في جميع أنحاء العالم.

ترسم سيرة ريزنر، «المشي بين الفراعنة: جورج ريزنر وبزوغ علم المصريات الحديث»، صورة للرجل، وما يسميه البعض العصر الذهبي لعلم الآثار المصري، وعلاقاته بجامعة هارفارد، وتأثيره في علم الآثار، وتعقيدات فهم السياق التاريخي الذي عمل فيه.

جاء ريزنر إلى هارفارد في عام 1889 وحصل على الدكتوراه في عام 1893 في فقه اللغات السامية. رأى ريزنر النهب والخطر الذي تعرضت له المواقع في مصر، لذلك أراد أن يتخصص في علم الآثار، ويوقف هذا النهب، وكان عليه أن يتعلم بشكل أساسي أثناء العمل، وأصبح الأب المؤسس للطريقة العلمية الحديثة، وهذا يعني العمل بعناية وتوثيق جميع جوانب الحفر قبل البدء وأثناء العمل والاكتشافات في الموقع. كان يواظب على كتابة اليوميات عن سير العمل ووجود نظام ترقيم، ودفتر سجل لجميع الاكتشافات، واتباع مناهج متعددة التخصصات. عاش وعمل في أهرامات الجيزة، في مجموعة من الأكواخ المبنية من الطوب اللبن تسمى هارفارد كامب، والتي كانت حقاً منزله الوحيد لأكثر من 40 عاماً. وضع التسلسل الزمني وتاريخ الأسرة الرابعة من عصر الهرم، نحو 2500 قبل الميلاد. جنباً إلى جنب مع رحلة استكشافية إيطالية وألمانية ثم مصرية، قام بالتنقيب في ثلثي مقابر النخب المحيطة بالأهرامات نفسها.

قد نقبل أساليبه الميدانية والتوثيق التفصيلي كمعيار واضح، لكن ألم تكن مثيرة للجدل في ذلك الوقت؟ فنحن نجد أن الجيل الذي سبقه كان يعمل بمبدأ: دعونا نُحضِر التماثيل والاكتشافات، ونأخذها إلى البيوت أو المتاحف في الغرب لدراستها (كانت المتاحف التي قامت بمعظم عمليات التجميع موجودة في أوروبا). كانت الفكرة المهيمنة آنذاك هي: نحن نقدّر ونثمّن هذه الآثار أكثر من أصحابها، وعندنا إمكانات الحفاظ عليها من الاندثار، يعني من يَقدِر أن يحافظ على الآثار يحقّ له أن يملكها. وهذه فكرة مرفوضة عندي كمصري يرى آثار بلاده متناثرة في متاحف أوروبا.

قاد ريزنير أول بعثة مصرية رسمية من أميركا، وقام بإنشاء الدراسات النوبية كتخصص منفصل، وبالتنقيب في العديد من المعابد والمقابر الملكية والحصون المبنية على طول نهر النيل. نعم، كان مهتماً جدًا بمحاولة معرفة من هم النوبيون، وما العلاقة بين المصريين والنوبيين في فترات لاحقة، عندما جاء النوبيون شمالاً وحكموا مصر فترة شهدت تفاعلاً رائعاً بين هاتين الثقافتين.

لنتذكر أن الناس في عصره كانوا يدرسون حجم الجمجمة كمؤشر على الذكاء، ويحاولون شرح عظمة هذه الحضارات القديمة، باعتبارها مرتبطة بالثقافات المتوسطية أو الأوروبية. لم يكن ريزنر مرتبطاً بعلم تحسين النسل والأفكار حول التفوق العرقي التي كان البعض الآخر مهووساً بها، وهذا يحسب له. كان مهتماً بهوية هؤلاء النوبيين، ومن أين أتوا، لكنه أخطأ عندما قال إنّ النوبيين كانوا في الأصل ليبيين، هاجروا جنوباً، أو مصريين أعيد توطينهم، فلم يدرك أنّ الحضارة النوبية هي حضارة إفريقية أصيلة وعظيمة.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر