الحديد البارد في مواجهة الزلازل

محمد سالم آل علي

لقد أدى الزلزال الأخير الذي ضرب كلاً من تركيا وسورية إلى انهيار آلاف المباني، التي خلّفت بدورها عشرات الآلاف ما بين قتيل وجريح، وقد لفتت الكارثة أنظار العالم إلى مسألة غاية في الأهمية، تتمثل في كيفية تصميم أبنية ومدن مقاومة للزلازل، تحمي الجميع وتقلل من الخسائر، أي تشييد الهياكل المستقبلية التي تجمع ما بين براعة التصميم وكفاءة التنفيذ، جنباً إلى جنب مع مساهمتها الخضراء ومراعاتها للاستدامة البيئية.

بالطبع هناك العديد من التصاميم والحلول التي تراعي هذا الغرض، وهي تتسم جميعها بقدرتها على استيعاب الحركات الأرضية التي تسببها الزلازل، حيث نذكر منها المباني الخرسانية المسلحة أو المباني الحجرية ذات الأعمدة الخرسانية والمراسي الزلزالية، والمباني الخشبية ذات الدعامات، والمباني ذات القاعدة المعزولة التي تكون محمولة على وسادة تقوم بامتصاص الطاقة الزلزالية وتبديدها، بالإضافة إلى المباني المشيدة من الصلب المشكّل على البارد، أو ما يعرف باسم تقنية الحديد البارد، وهو بالتحديد ما أريد الحديث عنه اليوم، لما له من دور كبير في الحماية من الزلازل من جهة، وأيضاً لما له من مزايا ترشحه لأن يكون الاتجاه الأمثل للبناء والعمران مستقبلاً.

يعد الحديد البارد نوعاً من الصلب الذي يتم تشكيله عن طريق الثني في درجة الحرارة العادية، ومن ثم يتم استخدامه في تشييد المباني ومشاريع البنى التحتية، حيث يتم إنشاء الأطُر والهياكل الحديدية التي تتم تغطيتها لاحقاً بألواح إسمنتية أو بغيرها من المواد الإكسائية التي تعزل فيما بينها مواد وألياف ذات خصائص معينة، أي أنه يستعاض عن الطوب والملاطـ بالهياكل الحديدية والألواح التي تتميز بالقوة وطول الأمد، إلى جانب العديد من المزايا الأخرى؛ فأولاً هي تقنية سريعة التنفيذ، لأنها تختصر أكثر من ثُلثي المدة بغض النظر عن نوعية أو ماهية البناء، وثانياً هي خفيفة وسهلة النقل والتركيب وأكثر دقة واتساقاً من حيث أبعادها وقياساتها، وثالثاً هي منخفضة الميزانية تُنفّذ بأدنى حد من العمالة، كما أن المباني المشيّدة بتلك التقنية، وعلى العكس من الهياكل التقليدية، يمكن تفكيكها بسهولة دون إحداث أي مخلفات، كما أنه من السهل أيضاً إجراء تعديلات على التصاميم الداخلية بسبب مرونة الهيكل، وعدم وجود خرسانة، ما يسمح بإضافة اللمسات بكل يسر وسهولة.

ولأن السلامة كما ذكرنا أعلاه أضحت مصدر قلق لكثيرين، فيجب التأكيد على أن المباني المشيّدة بالحديد البارد تتمتع بمقاومة عالية للقوة الزلزالية، فضلاً على مقاومتها الحريق، ما يجعلها أكثر أماناً بكثير من المباني التقليدية، ولعلّ ذلك يعود إلى إحدى الخصائص الرئيسة للحديد البارد، وهي التناسب الحاصل فيه ما بين القوة والوزن، إضافة إلى قدرته على الانثناء والانحناء دون أن ينكسر، أي مرونته التي تسمح للهيكل بالتحرك مع الأرض أثناء الزلزال، بدلاً من مقاومة الحركة والتسبب في الأضرار والتصدعات؛ بالإضافة إلى ذلك كله هناك الخصائص الكامنة في سلامة الوصلات والدعامات وتصميمها المحكم، لأنها هنا ستسهم في توزيع القوى الزلزالية بالتساوي في جميع أنحاء الهيكل، وبالتالي ستعمل على بقائه مستقراً وآمناً أثناء الزلازل والهزّات.

لا شك في أن كل تقنية حديثة قد تشوبها بعض الصعوبات، إلا أن مزايا تقنية الحديد البارد وقوتها ومتانتها ومقاومتها للزلازل تطغى تماماً على أي عيوب محتملة لها؛ لأنها في نهاية المطاف تقنية موثوقة، وإذا ما اقترن معها التصميم المناسب والتركيب السليم والصيانة المستمرة، فإنها لا محالة ستكون الخيار الأول للبناء، ليس في المناطق المعرضة للزلازل فحسب، وإنما في كل مكان وصعيد. 

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر