حتى نرتاح
نشقى بهم حين نشرع أبواب قلوبنا وبيوتنا، بحسن نية على هواهم فتأتينا رياحهم العاتية قاسية باردة مدمرة.. نحب ما يحبون ونأنف ما يأنفون ونتحسب لضيق صدورهم حتى تضيق صدورنا كمداً وضيقاً.. نرى العالم بعيونهم ونحب عطرهم وأغنياتهم المفضلة ونأنس بوجودهم، ونحتفل فقط حين نكون بصحبتهم، ونؤجل كل الأيام الحلوة لأجل عيونهم، ونغلق أعيننا عن جمال الكون انتظاراً لهم.
نسعد لسعادتهم ونستعد في أي وقت لاستقبالهم ونقدمهم على أنفسنا ونجعلهم استثناء واكتفاء دون سواهم وننتظر سؤالهم واتصالهم ولو في منتصف الليل فقط، لنطمئن عليهم.. تعجبنا منهم وحدهم الكلمات الحلوة، ونطرب لعبارات الودّ بصوتهم ونلتمس الأعذار ونخلقها لنقذف بها عقولنا التي ترفض أفعالهم.
نعصي في حبهم كل نداءات الحكمة ونصائح الرحيل، ونبرر حماقاتهم معنا، ونمنحهم الفرصة تلو الأخرى مهما فاض الكيل منهم.
نُعادي لأجل خواطرهم من يحبوننا بصدق ويغدقون علينا الودّ دون مقابل، ولا نرى لنا حياة إلا بجوارهم.
تلك هي المشاعر والعلاقات المسمومة التي نتشبث بها أحياناً، رغم أنها تدمر ولا تبني، تأخذ ولا تعطي وتستمرئ الأخطاء طالما قبلناها، ولا تحفظ عهداً أو تراعي وصلاً أو بِراً.
المشاعر والعلاقات من طرف واحد تستنزف الوقت والعمر والصحة، وتخلق ندماً يدوم وتطرح سؤالاً أبدياً يقض راحتنا كل لحظة: كيف سمحنا ولماذا قبلنا؟
الحب لابد أن يقابله حب والودّ بالودّ والصداقة والإخلاص بمثلهما، والجيرة الحسنة لمن يحسن القيام بها.
اليد الممدودة بالخير والسلام تحتاج إلى من يصافحها ويشد عليها، لا من يرخي يده ويشيح بوجهه عنها، وجميعنا نحتاج إلى أن نشعر بقيمتنا في عيون أحبتنا: زوجاً أو ابناً أو أخاً أو صديقاً أو جاراً، مهما أخفينا ذاك الاحتياج خلف الكبرياء.
نحتاج إلى أن نعلّم أنفسنا وأبناءنا أن الأرواح جنود مجندة والحياة واسعة ولا تقف عند شخص أو علاقة، وأن اختيارات القدر دائماً أفضل، فلا ينبغي أبداً أن نبحث عمّن يتعمد الغياب عنا أو نستمر مع من لا يشبهنا أو نصاحب من يضمر الشر أو يتمنّى لنا الأذى.
العلاقات المسمومة وغير المتكافئة والتي تقابل الودّ بالجفاء، لا تحتاج منا سوى الابتعاد والانكفاء على الجراح حتى تُشفى ونسيان الوجوه والمواقف وإيثار السلام النفسي للحفاظ على نقاء صدورنا، ليس ضعفاً أو هزيمة ولكن «حتى نرتاح» .
العلاقات المسمومة وغير المتكافئة والتي تقابل الودّ بالجفاء، لا تحتاج منا سوى الابتعاد والانكفاء على الجراح حتى تُشفى.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.