اضطراب نقص الطبيعة
بحسب البنك الدولي يعيش 56% من سكان العالم، أي نحو 4.4 مليارات شخص في المدن، ويتوقع بحلول عام 2050 أن تصل النسبة إلى 70%، أي أن 7 من كل 10 أشخاص سيعيشون في المدن، وعلى الرغم من المزايا التي ترتبط بالعيش في المدن، مثل توافر الخدمات وسهولة التنقل والاتصالات، ولكن هناك مشكلة تتلخص في البعد عن الطبيعة، فالإنسان يحتاج للعيش في بيئة طبيعية، بحيث يتسنى له رؤية اللون الأخضر متمثلاً في الأشجار والزراعة بمختلف أنواعها، وكذلك العيش بالقرب من مصادر المياه مثل الأنهار والبحار، بل إن هناك نوعاً من العلاجات يعتمد على الوجود بالقرب من مصادر المياه الطبيعية، وسماع صوت خرير المياه Water Therapy، ومن المنطلق نفسه، شخّص العالم ريتشارد لوف في عام 2005 نوعاً جديداً من الاضطرابات النفسية، وهو اضطراب نقص الطبيعةNature-Deficit Disorder.
وعلى الرغم من أن الدول الغربية لديها كمّ كبير من الغابات، ولديها نسبة أكثر وحظ أوفر من الطبيعة، إلا أن هناك الكثير من الحراك المجتمعي والحكومي لإعطاء جرعات أكبر من التعرض للطبيعة، خاصة للأطفال في المدارس، حيث يتم تقديم جزء كبير من الدروس في فصول مفتوحة في الغابة أو الأماكن الطبيعية، وهناك بعض المدارس ودور الحضانة في دولة مثل النرويج تقدم الجزء الأكبر من الدروس والأنشطة في الطبيعة، وهناك جيل من المدارس الآن يسمىOutdoor Learning Schools وقد ثبت وجود فارق كبير جداً في أداء الطلاب في الفصول المفتوحة مقارنة بالفصول المغلقة في المدارس التقليدية. لقد أثبتت الدراسات أن اضطراب نقص الطبيعة يزيد من الخمول الفكري وقلة القدرة على استخدام الحواس، وقلة التركيز، وزيادة السمنة، وعدم الانتباه، وضعف مهارات القراءة والكتابة، وكثير من الاضطرابات العاطفية والجسدية، وكذلك الإصابة بالخمول بشكل عام.
لقد تسبب تسارع التكنولوجيا والتطور العمراني في انفصال الإنسان عن الطبيعة، فقد اختفت المساحات الخضراء المفتوحة، وحل محلها ناطحات السحاب والشوارع الواسعة، وإشارات المرور والسكك الحديدية، لدرجة أن سكان بعض المدن لا يكادون يرون الشمس أو القمر أو حتى السماء، ولا يشهدون تتابع فصول السنة الأربعة، فالأيام كلها تشبه بعضها، ما ألحق أضراراً نفسية وصحية وجسيمة به دون أن يدري، وزادت نسبة الاكتئاب والتوتر. ما العمل إذن، وكيف يمكن التخلص من ذلك الاضطراب؟ الحل بسيط ومباشر وهو العودة إلى الطبيعة، فمثلاً يمكن إلزام كل المدارس والأبنية التعليمية الجديدة بتوفير مساحات خضراء، ودمج السياسة نفسها في تخطيط المدن والأحياء، مع إدخال أنشطة صفية ولا صفية يتم تنفيذها في الطبيعة، وفي مساحات مفتوحة، وإن لم تتوافر بالمدينة نفسها فيمكن عمل زيارات دورية لأماكن أخرى طبيعية، يمكن أيضاً رفع الوعي في كل المناهج الدراسية بأهمية الطبيعة في حياتنا والاهتمام بالأشجار والحيوانات. وتلعب هنا مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية دوراً بالغ الأهمية مع الحكومات في تعزيز وتفعيل ذلك التوجه. وكأفراد يمكن أن نخصص ولو يوماً في الشهر نقضيه في الأماكن المفتوحة، وخاصة بجانب المياه مع أخذ استراحة من الهاتف المحمول والكمبيوتر.
@Alaa_Garad
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.