حتى لا نفقد أبناءنا
منذ عودتي من لبنان من مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة، الذي شاركت فيه بفيلم «الوهم الأخضر» الذي كتبتُه ومثّلتُ فيه، وصورة الشباب المتطوعين لا تفارق بالي، أتذكّرهم فيحضر في الذهن قول نزار قباني: «بيني وبينك أبحر وجبال»، ولا أقصد المسافة المكانية، بل مسافة التفكير التي أصبحت تفصل بيننا وبين الأجيال الشابة. فمثلاً هم كانوا يرون السينما تقنية وإبهاراً وتفكيراً خارج الصندوق، وأمثالي ممن تربّوا على إبداع يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وحسن الإمام من العرب، وكوبولا وسبيلبرغ وسكورسيزي من الغربيين، كنا نرى السينما فكرة ومشاعر وأحياناً رسالة. كلّنا نحمل الشغف ذاته، ولكن ننظر إلى شغفنا من ضفة النهر المقابلة للآخر.
كنت أفكر كيف نستفيد من سرعتهم، وتحكمهم في التكنولوجيا، وتقبّلهم المبالغ فيه لكل ما هو جديد وغريب ومختلف، وكيف يستفيدون هم من جيل ما قبل «تيك توك» و«إنستغرام»، وصرعة الذكاء الاصطناعي chatGPT ، التي ستغير حتماً مفهومنا لكثير من الأشياء التي ألفناها. أدرك أنه جيل مختلف، وقد قيل قديماً: «لا تُكرهوا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»، ولكن ماذا بوسعنا أن نعلّمهم والمعلم الأكبر «غوغل»، وأصحابه حاضرون ليلاً نهاراً ليجيبوا عن أسئلتهم وانشغالاتهم.
الهوّة بيننا وبين جيل الشباب تتسع باستمرار في الاهتمامات وفي طريقة التفكير وفي مقاربة الأشياء، بل وفي اللغة نفسها. وأخشى أن تجسير هذه الهوة أصبح صعباً يوماً بعد آخر. لست مع من يقول إنّ جيلنا أعمق، مستشهداً بكمِّ التفاهة والرداءة التي تفرغها على رؤوسنا وسائل التواصل يومياً، باعتبار أنها نتاج هذا الجيل الجديد، وأعتقد متيقّنة أن لو كانت هذه الوسائل في شبابنا لما اختلفنا عنهم مطلقاً، فالطبيعة البشرية واحدة، وليس لنا أن نحاكمهم أو نُدينهم، فنحن أيضاً في نظرهم «دقّة قديمة»، بطيئون، وأحياناً مملون.
هذه الفكرة تملكتني أيضاً وأنا أكتب قصتي للأطفال: «جدي والواتساب» ما الذي يمكن أن يتبادله جيلان، نقلت التكنولوجيا الفاصل الزمني بينهما من سنوات عادية إلى سنوات ضوئية. لذلك حبّذا لو يُشرك المخطّطون في التربية والثقافة، وفي كل مجال يتعلق بالأجيال القادمة، الشبابَ معهم ليروا الوجه الآخر للعملة، وللنظر بعينين اثنتين لا عين واحدة.
علّمني لقائي بالشباب الجديد المهجوس بالسينما في لبنان أنّ علينا أن نتواضع قليلاً ونصغي لهم، فلديهم أيضاً ما يقولونه، ويمكننا أن نتعلّم منهم الكثير كما يتعلّمون منا، وإلا إن صممنا آذاننا عنهم حتماً سنفقد أبناءنا.
• لو كانت هذه الوسائل في شبابنا لما اختلفنا عنهم مطلقاً، فالطبيعة البشرية واحدة، وليس لنا أن نحاكمهم أو نُدينهم، فنحن أيضاً في نظرهم «دقّة قديمة».. بطيئون، وأحياناً مملون.
@DrParweenHabib1
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.