انبعاثات صفرية (4)
يعد الألمنيوم معدناً خفيف الوزن وقوياً وقابلاً لإعادة التدوير بلا حدود، وهذه الخصائص تعني أنه يلعب دوراً حيوياً في تطوير مستقبل مستدام، فهو معدن صديق للبيئة «شديد الخضرة»، حيث تبلغ نسب توفير استهلاك الطاقة اللازمة لإنتاج الألمنيوم من المواد الخام عند إعادة التدوير ما يقارب 95%، بما يشكل تأثيره ودوره الرئيس في استدامة الحياة وتطور البيئة البشرية مع نمو الطلب والاستهلاك.
ولعل التعريف المتعارف عليه لما يسمى (الألمنيوم الأخضر)، يرتبط أيضاً بكون مصدر طاقة الإنتاج من مصدر طاقة متجددة ليتم تصنيع الألمنيوم بشكل مستدام.
أما إنتاج اليوم فيعتمد على صهر أكثر من 70% من الألمنيوم باستخدام مصادر طاقة غير متجددة عالمياً، بينما يصل إنتاج ما يسمى بـ«الألمنيوم الأخضر» إلى نحو 20% فقط، ومع الحراك العالمي لمواجهة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، من المتوقع أن ينمو الطلب على الألمنيوم الأخضر بشكل كبير، حيث ارتفع الطلب إلى 26 مليون طن في 2021، ومن المأمول أن يصل إلى 62 مليون طن بحلول 2030، مدفوعاً بشكل أساسي بطلب صناعة السيارات والتعبئة والتغليف في أوروبا والصين.
وتعتمد طبيعة الانبعاثات على تقنية التحليل الكهربائي المستخدمة، حيث تراوح الانبعاثات المباشرة بين 1.8 و2.5 طن من ثاني أكسيد الكربون «CO2» لكل طن من الألمنيوم المنتج بالطرق التقليدية، حيث يؤثر قطاع صناعة الألمنيوم تأثيراً جوهرياً، يتمثل بـ1.1 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بما يشكل ما يزيد على 2% من الانبعاثات العالمية التي يسببها الإنسان.
ولدولة الإمارات مبادرات ملموسة في تطوير وتحول الطاقة في هذه الصناعة العالمية الأثر، ففي يناير 2021، أصبحت الإمارات أول دولة في العالم تنتج الألمنيوم باستخدام الطاقة الشمسية، في إنجاز وطني جديد يحسب لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم وهيئة كهرباء ومياه دبي «ديوا»، لتعزيز جهود ريادة الاستدامة على مستوى العالم، وتعزيز تطوير وتطبيق أحدث التقنيات في قطاع الطاقة، حيث شكلت اتفاقية البدء بإنتاج الألمنيوم في مصهر الشركة باستخدام الطاقة النظيفة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، إنجازاً بشرياً جديداً، يعتمد على تزويد هيئة كهرباء ومياه دبي لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم بـ560 ألف ميغاواط ساعة من الكهرباء (من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية سنوياً)، وهو ما يكفي لإنتاج 40 ألف طن من الألمنيوم الأخضر في العام الأول (مع إمكانية التوسع مستقبلاً)، ليتم تصدير الألمنيوم الإماراتي المنتج تكاملياً «باستخدام الطاقة الشمسية»، للمتعاملين حول العالم تحت اسم «سيليستيال» (CelestiAL)، حيث سيسهم الألمنيوم المصنوع في الدولة باستخدام الطاقة الشمسية، بجعل الحياة العصرية المستدامة ممكنة حول العالم مع الحد من الانبعاثات الكربونية والحفاظ على البيئة لأجيال قادمة.
إن هذه الخطوة العملاقة تثبت قدرات الإمارات على بناء اقتصاد أخضر مستدام، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية لتحول الطاقة وتنويع مصادرها، كما تعكس الجهود الحثيثة لخفض الانبعاثات الكربونية، ومثال ذلك انخفاض انبعاثات الكربون بدبي بما يصل إلى 22% بنهاية 2019، لتتجاوز النتائج مستهدفات استراتيجية دبي للحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة 16% بحلول عام 2021.
ومع إصدار شهادة الطاقة المتجددة العالمية لإنتاج ألمنيوم «سيليستيال» باستخدام الطاقة الشمسية، لعمليات تزويد شركة «إيمال» بالكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية من شبكة «ديوا»، هل نطمح لأن نشهد تحديثاً أو إصداراً اتحادياً مماثلاً لبرنامج هيئة البيئة في أبوظبي علامة «المصانع الخضراء» للبناء على المحاور الأربعة الرئيسة، لمنح «العلامة»، عبر إدارة الطلب على الموارد، وذلك عن طريق ترشيد الاستهلاك والاستخدام الأمثل للطاقة والحفاظ على الموارد، وتطبيق أفضل الممارسات الفنية والإدارية للحد من التلوث الناجم من العمليات التشغيلية، وتقييم سجلات الامتثال ونتائج عمليات التفتيش البيئي التي تقوم بها الهيئة على المنشأة، ونضج الحلول المبتكرة التي تطبقها المنشأة لحماية البيئة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعزيز جودة الحياة للمجتمع؟
إن تعزيز البنية الأساسية لمعايير التقييم للمنشآت الصناعية، واستدامة تطوير ممارسات المنشآت الصناعية المشاركة مثل شركة الإمارات العالمية للألمنيوم «إيمال»، بهدف طرح منتجات تماثل «سيليستيال» العلامة المميزة للصناعة الإماراتية وفخر لقطاعنا الصناعي؛ يستحق بذل المزيد لاستنساخها بقطاعات أخرى.
مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.