صحافي مصري يزور إسرائيل في أبريل 1956
مكتبة وايدنر بجامعة هارفارد تحوي آلاف الكتب والدراسات عن العالم العربي، قضيت فيها ساعات ممتعة أقرأ الكتب وأتصفح الأعداد القديمة من الدوريات والمجلات العربية، وأستعير منها كل ما حلمت بقراءته عندما كنت طالب دكتوراه في كندا. وفي إحدى جولاتي في المكتبة وقعت على نسخة من كتاب نشر في بيروت عام 1957، يقدم تفاصيل مجهولة في تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية.
قد لا يعرف كثيرون في عالمنا العربي أن صحافياً في مجلة روز اليوسف المصرية، اسمه إبراهيم عزت، نشر كتاباً بعنوان «كنت في إسرائيل»، يحكي فيه عن زيارته لإسرائيل في 26 أبريل 1956.
طار عزت إبراهيم من لندن إلى تل أبيب متنكراً تحت هوية صحافي برازيلي من أصل عربي، لكن الإسرائيليين عرفوا هويته المصرية، ورحبوا به. التقى شخصيات سياسية مهمة في إسرائيل، مثل بن غوريون، وموشيه شاريت، وغولدا مائير، وإيجال يادين.
يخبرنا إبراهيم عزت أنه أراد أن يقدم في كتابه «صورة صادقة واضحة عن إسرائيل» ثم يضيف، «ولكن لا أستطيع أن أنكر أن ما كتبته متأثر بشعوري كمصري وكعربي، على الرغم من أنني حاولت أن أكتب بعيداً عن التحيز، حتى نعرف ما يجري في إسرائيل. وكثير من الحقائق الواردة في هذا الكتاب تحدث فعلاً في إسرائيل، فلست أؤمن بنظرية النعامة التي تخفي رأسها في الرمال».
وعندما بدأ جولاته في إسرائيل رحب به مسؤول من وزارة الخارجية يدعى ألكساندر دوثان، الذي أخبره أنه عُيّن كمرافق ومرشد ومترجم له طوال وجوده في إسرائيل. وأضاف أن وظيفته الأصلية هي مدير مكتب «المعلومات العربية».. ومن ضمن مهامه قراءة جميع الصحف والمجلات العربية، والردّ عليها في محطة الإذاعة.
وعن المجتمع الإسرائيلي يخبرنا إبراهيم عزت بهذه التفاصيل:
• إسرائيل تأمل المصالحة مع العرب. حتى الإسرائيليين الذين سألتهم في الشوارع عبروا عن الآمال نفسها. ومع ذلك، فقد عرفوا جميعاً أن المصالحة ستستغرق وقتاً طويلاً جداً. قال لي بن غوريون: «إذا ذهبت إلى مصر، والتقيت جمال عبدالناصر، فأخبره أنني مستعد للقائه في أي وقت، ومناقشة كل ما يريد التحدث عنه».
• يعتبر العرب في إسرائيل أقلية. إنهم يعيشون في ظروف سيئة للغاية، وتسيطر الحكومة الإسرائيلية على كل ما يفعلونه.
• تعتبر إسرائيل مصر خصمها الوحيد. يعتقد السياسيون الإسرائيليون أنه بمجرد أن تصنع إسرائيل السلام مع مصر، فهذا يعني أنهم حققوا السلام مع جميع الدول العربية. يعتبرون مصر القوة الوحيدة في المنطقة. أخبرني موسى (موشيه) شاريت ذات مرة أن إسرائيل تعرف أن سلاح الجو المصري أكبر بـ25 مرة من سلاح الجو الإسرائيلي.
• «الهستدروت» هي التي تسيطر على إسرائيل، وهي واحدة من أكبر وأقوى المنظمات العمالية في العالم. تتكون هذه المنظمة من جميع العمال في إسرائيل، بغض النظر عن الوظيفة (ملاحظة مثيرة للاهتمام في ضوء دور الهستدروت في التظاهرات الجارية في إسرائيل الآن، وتهديدها بالقيام بإضراب عام).
• يعتقد جميع الإسرائيليين بقوة أن العرب الذين فروا من فلسطين يجب ألا يعودوا.
وفي الكتاب تفاصيل أخرى تكشف بعض الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل، والغريب هنا أن السلطات المصرية وافقت على زيارة هذا الصحافي لإسرائيل التي كانت تعتبرها العدو التاريخي، بل رحبت بمقالاته عن هذه الزيارة في مجلة شعبية رئيس تحريرها إحسان عبدالقدوس. والأغرب أنّ يظلّ هذا الكتاب المهمّ مجهولاً في تاريخ العلاقات بين مصر وإسرائيل.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.