أنت لست مميزاً
لابد أننا - أو أغلبنا - سمعنا الكثير من الشعارات التي ينادي بها متحدثو التنمية البشرية والمدربون الذين يتحدثون عن الإيجابية، وأنك تستطيع فعل كل شيء، وأنك مميز، وكل إنسان هو شخص استثنائي وهو العالم بذاته، وكل تلك العبارات التحفيزية التي تشحذ الهمم وتولد الطاقة، ولكنها في الواقع طاقة لا تتعدى وقت المحاضرة، وبمجرد الخروج منها تتبخر، لأنها غالباً غير مبنية على أسس حقيقية، كما تفتقر إلى أمثلة عملية تتناسب مع السياق الذي نعيش فيه. اليوم أكتب عن تيار مختلف، واتجاه آخر بدأه مدرس ثانوي في إحدى مدارس الولايات المتحدة الأميركية، اسمه ديفيد ماكولاف جونيور David McCullough Jr والذي ألقى خطبة التخرج لطلاب دفعة 2012، والتي كانت بعنوان «أنت لست مميزاً».
من الوهلة الأولى نشعر بأن هناك تناقضاً، وأن الكلام محبط، ولا يعكس ما يجب أن يقال لطلاب أنهوا المرحلة الثانوية، وعلى أعتاب مرحلة جديدة في حياتهم، ولكن عندما نستمع للخطبة كاملة نفهم السبب، يقول ديفيد ماكولاف موجهاً كلامه للطلاب، إنهم تلقوا الكثير من الرعاية والاهتمام من الأهل الذين دفعوا لهم مصروفات الدراسة ولبوا طلباتهم، واهتموا بهم منذ نعومة أظفارهم إلى أن وصلوا لما وصلوا إليه الآن، ولكنهم يتساوون في ذلك، وليس لهم الكثير من الفضل، وأن الفارق الحقيقي يحدث لنا عندما نتعلم تعلماً حقيقياً نفيد به أنفسنا والمحيطين بنا وأوطاننا، ذلك النوع من التعلم الذي يجعلنا نتواضع في التعامل مع الآخرين ونقدر تضحياتهم. يركز ديفيد على أهمية التعلم، وليس التعليم فقط، كما يركز كثيراً على أهمية التواضع والبعد عن الاهتمام بالشهرة الزائفة غير
المبنية على محتوى، والتي تزول بسرعة، وله حكمة رائعة تقول «عندما تقرر صعود جبل افعل ذلك لترى العالم، وليس ليراك العالم»، أي لا تحاول تحقيق إنجازات لتحقيق شهرة، ولكي يقال إنك الأول، أو يشار إليك بالبنان، بل افعل ذلك من أجل أن تتعلم، وترى العالم من حولك، وتفيد غيرك.
يؤكد ديفيد حديثه بالقول إذا كنت قد تعلمت أي شيء في سنوات دراستك، فأتمنى أن يكون هو أن التعليم يجب أن يكون لأجل الإثارة والتعلم، بدلاً من الحصول على ميزة مادية. ولقد تعلمت أن الحكمة هي العنصر الرئيس للسعادة. كما أتمنى أن تكون قد تعلمت بما فيه الكفاية لتدرك كم هو قليل ما تعلمته! كم هو قليل ما تعلمه الآن في هذه اللحظة! فاليوم هو مجرد بداية. والأهم هو ما ستفعله بعد اليوم.
لو فكرنا قليلاً في هذا الكلام فربما نعيد النظر في سلوكنا وفي اهتماماتنا، فيشجعنا ذلك على تعلم مهارات جديدة واكتساب سلوك جديد، ربما نصبح أكثر تواضعاً، ربما يساعدنا هذا التفكير على أن ندرك أننا لسنا استثنائيين، كما نعتقد، حتى لو اعتقد أحدنا أنه لا يوجد منه إلا واحد في المليون، فسيكتشف بحسبة بسيطة أن هناك 8000 شخص مثله – على اعتبار أن سكان الأرض ثمانية مليارات نسمة – الطريق لأن نصبح مميزين فعلاً هو أن يعود تميزنا بفائدة وقيمة مضافة لمن حولنا، ولمجتمعاتنا.
@Alaa_Garad
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.