أعطوه وقته
لا بأس من نهار يبدأ بالغيوم، ولا ضير أبداً إن تراكمت على القلب الهموم، فهذي هي الحياة وتقلباتها، لم تدم على حال ولم تدم لأحد.
لا بأس إن ضاقت النفس يوماً، أو رغبت في الرحيل إلى المجهول، لا يهم حينها من نكون، ولا كيف نفكر، ولا مع من نعيش، فالضيق والضجر شعور إنساني أزلي ودائم للأبد «لقد خلقنا الإنسان في كبد».
لا بأس إن تلقينا الطعنات من مواطن أمننا، أو صُدمنا فيمن ظننا دهراً أنهم لنا، أو تخلى عنا من كانوا الذخر والسند.
لا بأس إن خاصمتنا الأفراح، وانطفأت في المرآة ملامحنا، وغابت الضحكات بصوتها المتقد.
لا بأس إن جاءت الريح عاتية، وهدم الموج أحلامنا الصغيرة فلم نعد نملك منها إلا الذكريات التي انتشلناها من العدم.
لا بأس إن أصابنا اليأس بسهامه فتساوت كل الأشياء وعكسها، وهانت الأوقات الغالية وتراجع الشغف والإقبال وخيّم الصمت الحزين بلا سبب.
حينها، لا بأس من وقت ننعزل فيه عن الناس والأشياء ونهرب بأوجاعنا بعيداً حتى نتعافى، لابأس أن نتوقف عن فعل أي شيء ونأخذ هدنة من ذاك الركض الذي لا ينتهي خلف الأمل وملاحقة الأمنيات التي لا تنتهي إلا بنهاية العمر.
لا بأس من غياب عن طابور الحياة ذات صباح، أو انكفاء على الذات المبعثرة 1000 قطعة كل يوم من ضغوط العمل أو توقف عن الجدال والرد عن الأسئلة التي ليس لها جواب إلا بالرفض أو الإحراج وكلاهما مرّ.
تعترينا جميعاً أيام صعبة وظروف قاسية على النفس، لكنها حتماً تمر كما مر قبلها كُثر.
النسيان عيبنا الأزلي والنعمة الكبرى في حياتنا، ننسى كم عانينا من شقاء انتهى فنجزع كل مرة بذات القدر حتى يأخذ وقته المكتوب ويمر.
فكم من عثرات تجاوزناها وكم من خذلان تخطيناه وكم من مشكلات حملت في قلبها لطف خفي، فقط لأننا سلمنا ما لا حيلة لنا فيه لرب العالمين.
لا بأس أبداً من تلك الندبات التي نحملها على جدار القلب وشماً عصياً على الطمس أو النسيان فهي عنوان لأيام قاسية شدّت عودنا وقوت بنيانه، ودليل على عظيم تحملنا حين أعطينا الحزن وقته ليسري في دمائنا يطهرنا وينقي أرواحنا ويرحل ولو على وعدٍ بلقاء جديد.
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.