يوميات في العمل الخيري (7)
ربع شقة
مرت بي امرأة تجاوزت العقد الخامس، لا تتكلم العربية، بصحبة أخرى تنوبها في شرح معاناتها، وتوفير مستنداتها.
وأحياناً تنقل أسئلتي إليها بلغتها، فتجيب المكلومة بلغتها، فلا تكمل حديثها إلا والعَبرة تتلوها عبرات في العين، وضيق جاثم على النفس من اللحظات العصيبة التي تمر بها.
ولا أستفصل في تلك الأمور، ولكن أوجزها بأن لديها ابناً بلغ العاشرة من عمره، وقد أهمل والده رعايته والاهتمام به، ومات، رحمه الله، ولم يورثهما إلا الهمّ والغمّ.
فقد كانا يقطنان في شقة مقسمة لعدد من الأسر، فصارت ضيقة جداً، حتى أصيب الابن بقروح وأمراض جلدية سببت له تعباً جسدياً ونفسياً.
إلى غير ذلك من الوقائع المحزنة التي أغضت الطرف عن ذكرها في هذه الفقرة.
وبعد زمن يسير ووقت قصير، وردها اتصال من جمعية خيرية بمنحها مساعدة مالية، وانتقالها من ذلك السكن إلى غيره، ولك أن ترى سعادتها، وكيف تبدلت دموع الحزن إلى دموع فرح وسعادة، وشتان بين الدمعتين.
والشاهد من سرد هذه القصة أن أبيّن أثر إهمال الزوج في العمل الخيري، فقد أهمل رعاية أسرته، مع أن القيام والإنفاق على الأسرة واجب شرعاً، وهو أيضاً أعظم أجراً من الإنفاق على المساكين والفقراء، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة (عتق رقبة)، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك». فكلها أعمال خيرية جليلة، ولكن الأخير لما كان حقاً واجباً استحق أجراً عظيماً كرماً من الله تعالى.
ولو كان الأب قائماً على شؤون أسرته، فإنه بذلك يشارك في تحقيق المسؤولية الاجتماعية، ويرفع عبئاً عن الجمعيات الخيرية، لكي تنشغل بحالات أخرى، وتبقى أسرته مصونة في بيتها.
وينطبق الأمر على كل من تحته ناس بأداء الحقوق لأصحابها، سواء كان أباً أو صاحب شركة، أو مالك مؤسسة، فهم في الأصل مشاركون في العمل الخيري، مادام يؤدي تلك الحقوق، وإن لم يخطر ذلك على باله، لأنه يسد جزءاً مهماً من جانبه ، ويمنع أصحاب الحقوق من أن يصلوا ويطرقوا أبواب الجمعيات الخيرية.
فالعمل الخيري له مفهوم واسع لا ينحسر فيما تقوم به الجمعيات الخيرية من تقديم الأعمال الخيرية فحسب، فحتى منع وصول الأسر إلى الجمعيات الخيرية بسبب توافر الكفاية أمر مهم.
«كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.