وسكت «الصوت الجريح»
كنت أحمل دائماً احتراماً كبيراً للفنان الكويتي عبدالكريم عبدالقادر الذي رحل عن دنيانا قبل أيام. مطربون كثر نُعجب بأصواتهم أمّا شخصياتهم فتشوبها عيوب الشهرة من غرور حيناً وتكبّر حيناً آخر، لكن صاحب «الصوت الجريح» بقي مجبولاً بطينة التواضع، لذلك ليس غريباً أن يبقى موظفاً في وزارة الداخلية ثم في وزارة الإعلام قسم الموسيقى إلى أن تقاعد، في الوقت الذي كان صوته يأسر قلوب العاشقين، ويواسي ليل المجروحين في الخليج، بل وفي العالم العربي كله.
والحديث عن تواضعه لمسته في بدوة من بدوات الحظ الجميل التي جمعتني به مكرَّمين في جائزة دول مجلس التعاون في مجال الإبداع عام 2015، إذ بادرني قائلاً برقّة أب يحطّ يداً حانية على كتف ابنته بأنه يعرفني ويعرف البرامج التي قدمتها، وقد أحب فيّ اهتمامي بالضيوف واحترامي لهم، وبادلته حبّاً بحبّ حين أخبرته بانحنائي وبتقدير كبير لما سكبه في كأس الأغنية الخليجية خصوصاً والعربية عموماً من شجن آسر، وهو مجال تجلّيه، فقد قال يوماً: «أخشى إذا غنيت للفرح أن أخذل المستمع الذي يطرب لسماع الحزن والشجن».
كتب له كبار الشعراء كخالد الفيصل ومبارك الحديبي وساهر، ولحّن له نجوم الألحان المتميزة كعبدالرب إدريس وطلال مداح ومصطفى العوضي، وشكّل مع الشاعر بدر بورسلي ثنائياً فنيّاً ناجحاً في السبعينات، ورغم هذه الشهرة التي كانت نتاج صوته وحده، لم يكن متهافتاً على الضوء ولا التكريمات، بل كان يفضّل أن تصل أغانيه عبر التسجيلات بدل الحفلات سواء كانت عامة أو خاصة، لذلك لم يكن له مدير أعمال ولا كل تلك الهالة الوهمية التي ينشرها حولهم أصحاب المواهب (نص كُم)، الذين يغنون بثيابهم وإكسسواراتهم بدل أصواتهم.
تهافتت عليه شركات الإنتاج إلى حد أن كان في بعض سنوات تألقه يصدر ألبومين في العام نفسه، فالتعطش إلى الرومانسية والحزن الدافئ الذي يماثل حضن الأب جعلا من أغانيه رسائل المحبين في ليالي الخليج، يكفي أن نغمض أعيننا ونحن نستمع إلى فن السامري بصوته الجريح لنشمّ رائحة البخور وتشاركنا الجلسةَ الحنّاءُ والبشت ومرشّة ماء الورد. أجواء كاملة بطقوسها تحضر ما إن يصدح صوته: «أنا رديت لعيونك أنا رديت»، أو «مرني مرني» التي أعاد حسين الجسمي غناءها، ليثبت أنّ أمثال هذه الأغاني لاتزال قادرة على لفت أنظار جيل صنعت له «السوشيال ميديا» تماثيل شمع تذوب ما إن تطلع عليها شمس الكلمة الأصيلة واللحن المتقن.
كان عبدالكريم عبدالقادر «يجر الصوت من جرح براه»، ليجعل قلوبنا ودموعنا تهمس على فقده: «روحوا قولوا له ترانا ما نسيناه من عرفناه».
لم يكن له مدير أعمال ولا كل تلك الهالة الوهمية التي ينشرها حولهم أصحاب المواهب (نص كُم)، الذين يغنون بثيابهم وإكسسواراتهم بدل أصواتهم.
DrParweenHabib1@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.