إلى «الملتقى»
حين تحدثتُ عن «الكبسولة الأدبية» في مقال الأسبوع الماضي تواصل معي عدد من القراء بعد أن لفتت نظرهم الفكرة، مستفسرين عن التجربة ومن وراءها، ولاحظت من حواري مع بعضهم، خاصة ممن لا يعيشون في دولة الإمارات، عدم معرفتهم بالنوادي القرائية النسوية في هذا البلد، مع أن بعضها تحوّل من مجموعة نساء يجتمعن لقراءة كتاب والتحاور حوله إلى مؤسسة ثقافية متعددة النشاطات.
ومن خلال متابعتي للشأن الثقافي في العالم العربي لأزيد من عقدين من الزمن بحكم شغفي أولاً ووظيفتي ثانياً، أزعم أن دولة الإمارات تحوي أكبر عدد من نوادي القراءة النسائية تناسباً مع سكانها، وهي نوادٍ نشطة جداً وليست موسمية، بل تجاوز عمر بعضها ربع القرن، مثل مجلس شما محمد للفكر والمعرفة الذي ترأسه الشيخة الدكتورة شما بنت محمد آل نهيان، أو مؤسسة بحر الثقافة التي أطلقتها أختها الشيخة روضة.
ولعل تجربة أسماء صديق المطوع في «صالون الملتقى» التي عايشتها عن قرب جديرة بالتثمين، فقد تحول هذا الصالون خلال 25 سنة من تأسيسه من نساء قارئات يتناقشن حول كتاب إلى مؤسسة ثقافية فاعلة استحقت عليها صاحبتها جائزة سلطان العويس للإبداع كشخصية العام الثقافية سنة 2021، واستحق صالونها أن تمنحه «اليونسكو» عام 2006 عضوية أنديته.
وإنجازات هذا الصالون نموذج للعمل الجاد والابتكار في توليد الأفكار، فقد نوقش فيه أكثر من 2000 كتاب منذ إنشائه، بل وصدر عنه قرابة 20 كتاباً مطبوعاً، وأصبح يشارك مثل دور النشر في معارض الكتاب؛ إذ له جناح ثابت في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ويساهم في الحراك الثقافي أيضاً مثل «الكبسولة الأدبية» هذا العام.
وما كان هذا ليكون لولا حرص السيدة أسماء صديق المطوع على مشروعها والإنفاق عليه من حرّ مالها، فتشتري الكتب وتوزعها على القارئات وتقيم المآدب احتفاء بالكتاب أو بصاحبه. وأذكر حين ناقشنا رواية الروسي نابوكوف أنها أقامت وليمة عمادها أشهى الأطباق الروسية تماشياً مع روح الكتاب.
وسر نجاح هذا الصالون القرائي تجدد أفكاره، ومن ذلك مشروع «حياكة الرواية» القائم على تصميم 40 ثوباً مستوحى من عناوين 40 رواية. وآخر إنجازاته إطلاق «جائزة أسماء صدّيق للرواية الأولى» وقد فاز بها في دورتها الأولى قبل أشهر المغربي سعيد رضواني عن روايته «أبراج من ورق». ألا تسحق بعد كلّ هذه الجهود أن تكون صاحبة الصالون أيقونة السخاء الثقافي.
هذا نموذج من نوادي القراءة النسائية في الإمارات التي أصبحت ظاهرة تشجعها الدولة واكتسبت مصداقية عند القراء والكتاب على السواء، وهي تعمل جاهدة لإبقاء شعلة القراءة متوقّدة تقاوم رياح «السوشيال ميديا» وجنون التفاهة.
نوادي القراءة النسائية في الإمارات أصبحت ظاهرة اكتسبت مصداقية عند القراء والكتّاب على السواء، وهي تعمل جاهدة لإبقاء شعلة القراءة متوقّدة تقاوم رياح «السوشيال ميديا» وجنون التفاهة.
@DrParweenHabib1
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.