ذات الرداء الأزرق   

واقعة ذات بُعد اجتماعي حدثت بإحدى الدول، بطلتها امرأة جاملت صديقتها العروس بوصلة رقص في حفل زفافها، فصوّرها أحدهم بكاميرا هاتفه، وبث الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، لينتشر كالنار في الهشيم، ويتصدر «الترند» ومحركات البحث بما لحقه من تداعيات وانتقادات وتنمر، لتصبح ذات الرداء الأزرق حديث الساعة، وتخرج إلى الملأ أخيراً تتوسل مسح الفيديو الذي خرب حياتها وهدد مستقبلها كزوجة، نادمة على لحظات عفوية عبرت خلالها عن سعادتها بصديقتها.

القصة ليست الأولى من نوعها عربياً، ولسنا في مجال الحكم على سلوك هذه المرأة، إذ إن هناك معايير لما هو مقبول أو مرفوض مجتمعياً، وفي نهاية الأمر كل إنسان مسؤول عن تصرفاته، إنما نود التركيز على أمر بالغ الأهمية، مرده بشكل أساسي إلى حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد، هي أن الواقعة كانت ستموت في ساعتها لو لم يصورها ذاك الشخص، وينشر الفيديو الذي سجله دون علمها عبر «السوشيال ميديا».

وهنا نجيب على تساؤل بالغ الأهمية: ماذا لو تعرض شخص لهذا الموقف في دولة الإمارات، سواء بتصويره في مكان عام دون علمه أو رغبته، ونشر المحتوى لاحقاً عبر إحدى وسائل تقنية المعلومات؟

من المهم أن تعرف عزيزي القارئ أن هناك تعديلاً بالغ الأهمية يعكس حداثة المشرع الإماراتي واطلاعه المستمر على المتغيرات التقنية التي جلبت كثيراً من الويلات، منها انتهاك الخصوصية، ففي السابق قبل التشريع الأخير رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، كان هناك جدل كبير حول قانونية التصوير في الأماكن العامة، مثل حالة ذات الرداء الأزرق أو غيرها ممن قادهم حظهم للظهور - حتى لو صدفة - في صورة أو فيديو التقطه أحد المتطفلين.

 ولم تجرم القوانين السابقة هذا السلوك انطلاقاً من أن الصورة تأخذ حكم الإنسان ذاته، والقانون يوفر له الحماية في الأماكن الخاصة، لكن إذا انتفت هذه الصفة والتقطت الصورة في مكان عام فلا تمتد إليها الحماية القانونية ولا توجد جريمة.

لكن اختلف الوضع كلياً الآن، إذ تنص المادة (44) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية على معاقبة كل من التقط صور الغير في أي مكان عام أو خاص بقصد الاعتداء على خصوصية شخص، أو حرمة الحياة الخاصة، أو العائلية للأفراد من غير رضا، بالحبس الذي لا تقل مدته عن ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 150 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وأجزم بأن هذا التعديل يوفر الحماية لنا جميعاً من شر كل فضولي منتهك لخصوصيات الآخرين، فجميعنا له كامل الحرية في الاستمتاع بالأماكن العامة دون خوف أو قلق، وهذا حق أصيل صانه دستور رصين ومشرع يملك رؤية مستنيرة.

*محكم ومستشار قانوني

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر