حين تلتصق «المسبّة»
أثارت القضية التي أدينت فيها امرأة عربية، أخيراً، بالاعتداء على خصوصية أحد المشاركين في معرض الكتاب بأبوظبي وسبّه عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ اهتمام الكثيرين، إذ إن البعض يتورط أحياناً في هذا السلوك خلال لحظة غضب، أو سوء تقدير وجهل بالقانون، ولكون معظمنا يملك حسابات في هذه الشبكات، أو على الأقل يستخدم أحد تطبيقات الدردشة واسعة الانتشار سواء في العمل أو لأغراض شخصية.
لقد حُكم على هذه المرأة بالحبس ستة أشهر وغرامة 50 ألف درهم، والإبعاد عن الدولة، مع وقف تنفيذ الحكم ثلاث سنوات.
ونُشر الحكم في مختلف وسائل الإعلام، وهذا يعكس أهمية نشر الأحكام القضائية، لأنها تمثل طريقاً دستورياً أصيلاً للتوعية والردع.
لقد ناقشنا في المقال السابق التبعات القانونية لجريمة الاعتداء على الخصوصية عن طريق إحدى وسائل تقنية المعلومات، مستندين إلى جريمة مماثلة وقعت في دولة أخرى كان ضحيتها امرأة صُورت دون علمها في حفل زفاف صديقتها، فنغصت عليها حياتها وهددت استقرارها الأسري وزواجها.
وبالنظر إلى الحكم الذي صدر في قضية المرأة التي صورت الرجل دون علمه ندرك أهمية وجود قانون حداثي رادع لهذا النوع من الجرائم، خصوصاً في ظل توافر الهواتف في يد كل منا، ما يجعل أحدنا مجرماً أو ضحية محتملاً، ولا مجال لحمايتنا سواء من أنفسنا أو الآخرين إلا من خلال عدالة قضائية ناجزة.
ودعونا نتناول في هذا المقال جانباً إضافياً بالغ الأهمية، مرتبطاً بجريمة السب التي تورطت فيها هذه المرأة كذلك، لأن البعض يقع فيها بسبب الاستهتار، وأحياناً عن طريق المزاح الذي يتحول إلى وبال على صاحبه، وتمتلئ ساحات المحاكم بأشخاص أحيلوا إلى القضاء بسبب رسالة نصية بسيطة تضمنت عبارات سب أرسلوها لحظة انفعال، من بينهم أقارب من الدرجة الأولى، مثل شخص وصف زوجته بـ«المجنونة»، وآخر وصف شقيقته بـ«الحيوانة»، ناهيكم بتلك المتبادلة بين الأصدقاء وزملاء العمل، فتتحول المودة بسببها إلى خصومة ونزاع قضائي.
وفي ظل انتشار ما يُعرف بمجموعات الدردشة (القروب)، سواء على «واتس أب» أو«فيس بوك» أو غيرهما من التطبيقات، تُثار تساؤلات عدة حول المسؤولية القانونية لـ«الأدمن»، أو مدير المجموعة، إذا تورط أحد أعضائها في سب آخر.
ومن المهم أولاً أن نعرف أن عقوبة السب والقذف حسب آخر التعديلات في القانون رقم (34) في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تكون بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وفي ما يتعلق بمسؤولية مدير المجموعة، أرى أن دوره لا يضعه تحت طائلة المسؤولية طالما لم يتورط شخصياً في السب أو السلوك الإجرامي الذي شهده «القروب»، فالتشريع يضيق دائرة التجريم، وهو في النهاية مسؤول عن الإدارة فقط، وليس مزوداً للخدمة. وبشكل عام يجب أن ننتبه لتصرفاتنا، وندرك أهمية الوعي بالقانون حتى لا نتورط بسبب «كلمة».
محكم ومستشار قانوني