ثورة علمية

يضج المجتمع العلمي الدولي بأخبار إنجازات علمية فتحت آفاقاً كان من الصعب حتى تخيلها عام 2000. وقالت جينيفر داودنا العالمة البيولوجية الأميركية التي اخترعت عام 2012 تقنية إعادة كتابة المادة الوراثية لصحيفة نيويورك تايمز: «أعمل في مجالي منذ 30 عاماً ولكني لم أشهد تسارعاً تقنياً كالذي أراه يحدث منذ خمسة أعوام

». أي منذ 2017 إلى اليوم.

تتجاهل الناس الأخبار العلمية غالباً لعدم قدرتها على فهمها وتعجز كثير من وسائل الإعلام عن إيجاد لغة مبسطة لشرح المنجزات العلمية وما تعنيه في حياتنا.

حدث انفجار في الأخبار العلمية في السنوات الثلاث الماضية بسبب «كورونا» وأصبحت تزاحم العناوين المتصدرة لنشرات الأخبار بسبب دخول رؤساء الحكومات على الخط العلمي وإعلانهم جهود تطوير لقاح للفيروس وعلى رأسهم بالطبع الرئيس السابق دونالد ترامب الذي كان أول من أعلن عن اللقاح الجديد وقتها.

يعتمد لقاح كورونا (كوفيد-19) على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال mRNA وهي تقنية تحوي تعليمات للخلية البشرية بصنع البروتين الشوكي للفيروس. اكتشفها المجتمع العلمي منذ خمسة عقود، ووظفها في لقاح الإنفلونزا في التسعينات وجربها للمرة الأولى على البشر عام 2013.

جاء لقاح كوفيد من خضم صراع إدارة ترامب ضد الفيروس الذي حصد ملايين الأرواح، فالتسلسل الجيني للفيروس كتب في يومين (عملياً خلال إجازة نهاية الأسبوع) وصناعته استغرقت بضعة أشهر مقارنة بعمليات صناعة اللقاحات التي كانت تستغرق عقوداً في الماضي.

ولأن عملية تصنيعه تستغرق وقتاً أقل بكثير من اللقاح التقليدي فقد تمكنت فايزر من تغطية الطلب العالمي عليه في الوقت المناسب. ويعمل المجتمع العلمي على اعتماد تقنية الحمض النووي الريبي المرسال في لقاحات أمراض أخرى مثل الإيدز وفيروس زيكا والسل وغيرها.

واليوم نقرأ أخباراً عن اختراع لقاحات خاصة للسرطان ستعمل على تقليص الورم السرطاني والقضاء عليه. وستستهدف هذه اللقاحات سرطان الثدي والرئة والبشرة والبنكرياس. إضافة إلى أخبار التوصل إلى أدوية التخلص من الوزن الزائد.

لا يستوعب رجل الشارع العادي هذه الأخبار ويتجاهلها كما ذكرنا في فقرة سابقة والكثير من الجهلة سواء في الغرب أو في مجتمعاتنا العربية يربط الإنجازات العلمية بوجود مؤامرة فيقول لك لا أصدق السرعة التي خرج بها اللقاح إلى العلن، لابد أن الموضوع مدبر. بالطبع هو «مدبر» عندما لا يقرأ الشخص ويتخبط في ظلمات الجهل.

بالطبع هي «مؤامرة» عندما لا يتابع المرء أخبار المنجزات العلمية وجوائز نوبل، ويركن إلى فيديوهات «تيك توك» أو «إنستغرام» التي يتحدث فيها أشخاص بلا صفة من غرف نومهم أو صالات منازلهم وينشرون سموم الجهل فيلتقطها بسطاء العقل ويتخيلون وجود مؤامرة كونية تتربص بهم.

خارج السياق:

كنت مع أصدقاء في مركز تسوق وأمامنا لوحة إعلانية لمسلسل تلفازي يعرض على خدمة بث إنترنت متوفرة في الدولة. فتحت تطبيق الخدمة على هاتفي الذكي وشغلت الحلقة الأولى من المسلسل قائلاً: هل تتخيلون الثورة التقنية التي نعيشها وكيف كان هذا الوضع غير متخيل أيام أشرطة الفيديو. فقال أحدهم: لقد سيطروا على كل شئ، سيدمرون مجتمعنا!

وما علاقة هذا بذاك! فعلاً عندما يعجز العقل عن الاستيعاب يقول مؤامرة!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

@abdulla_AlQemzi