ليس مكانها الإمارات..
الصورة الذهنية والعاطفية لدولة الإمارات العربية المتحدة، سواء في الداخل من قبل سكانها، مواطنين ومقيمين، أو الخارج في كل أرجاء المعمورة، أنها مقصد مثالي للمعيشة.
لم تتشكل هذه الصورة من فراغ، لكن يقف وراءها رجال أدركوا قيمة التنوع الإنساني، وتيسير حياة الناس وشؤونهم، وتوفير مظلة تشريعية لا تميز بين لون أو عرق أو جنس أو دين، فضلاً عن منظومة خدمية لا تقارن في مختلف دول العالم، دون مبالغة أو مجاملة، ومن يزُر أياً من بلدان العالم المتقدم يدرك هذه الحقيقة جيداً. وفي ظل ما توفره الإمارات من رفاهية في العيش والخدمات، كان من الطبيعي أن يحاول البعض التلاعب بالراغبين في الانتقال إلى الدولة، مستغلين ثغرات في بلدان بعينها لتوريد عمالة لا تتوافق مع القانون الإماراتي، مثل الأطفال، فيصدرون جوازات سفر لهم بأعمار غير حقيقية حتى يمكنهم السفر، ومن ثم استغلالهم بشكل أو بآخر لاحقاً، فيما يعرف قانوناً بـ«جرائم الاتجار بالبشر». وبحسب المنظمة الجنائية الدولية «الإنتربول» فإن الاتجار بالبشر له صور عدة، منها بيع الأفراد وشراؤهم لأغراض ترتبط بالعمالة القسرية، أو الاستعباد والاستغلال الجنسي، وصولاً إلى أبشع صورها مثل تجارة الأعضاء والأنسجة، والحمل بالإنابة ونقل البويضات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو موقف دولة الإمارات من هذه الجرائم في ظل أن هناك حكومات عدة تغض الطرف عنها، بالنظر إلى ما تدره من أموال تعادل ميزانيات بلدان صغيرة ومتوسطة، مستغلة وسائل التواصل الحديثة وسهولة تنفيذ الصفقات، واستدراج الضحايا؟!
والإجابة أن الإمارات اتخذت خطوات عدة لمكافحة هذه الجريمة ليس على أراضيها فقط، ولكن في المهد من خلال اتفاقيات دولية، وتعاون صادق مشترك، لقناعتها بأنها جريمة عابرة للحدود، لا يمكن أن تحاربها دولة واحدة بمفردها.
واستحدثت حزمة من التشريعات والقوانين لإغلاق الباب أمام الأساليب المستحدثة لارتكابها، فنصت المادة (32) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية على أنه: «يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه أو نشر معلومات على شبكة معلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، بقصد الاتجار في البشر أو الأعضاء البشرية، أو التعامل فيها بصورة غير مشروعة».
وزادت على ذلك أخيراً، اعتماد حزمة من التعديلات في قانون مكافحة الاتجار بالبشر، تتضمن تشديد العقوبات على الجناة، بل وتجريم التحريض على الجريمة، واستحدثت خدمات للضحايا مثل المساعدات التعليمية، وتدابير العودة الآمنة. لقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن «الإمارات لا تتساهل أبداً مع هذه الجرائم، وموقفها الإنساني والحضاري ينطلق من مبادئ وقيم راسخة لم تتغير منذ تأسيسها». وهذا ما نلمسه جميعاً في وطن يسكنه أكثر من 200 جنسية في أمان وسعادة وحب.
*محكم ومستشار قانوني
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.