الأقل مبيعاً
تطبق المطاعم والمقاهي في كل العالم سياسة الترويج للمنتج الأكثر مبيعاً، وتنسى أنها إذا فعلت ذلك فإنها ترسل رسالة بأن بقية المنتجات هي أقل مبيعاً، أو على الأقل لا تباع مثل المنتج الأكثر مبيعاً.
المنتج الأكثر مبيعاً في المقاهي والمطاعم خصوصاً في «هذا الزمن» ليس بالضرورة الأفضل أو الألذ، إنما هو ما اختار المطعم أن يروجه بالسوشيال ميديا ودعوة المؤثرين ليجربوه مجاناً، ومن ثم تنجرف الناس لتشتريه متبعين نموذج عقلية القطيع.
بينما المنتج نفسه لا يحمل أي سمة خاصة وهو كله عبارة عن سكر وعجين وكريم لا فرق بينه وبين غيره. لا أقول ذلك تحاملاً، ولكني جربت الكثير من الأكثر مبيعاً ولم أستطع أن أكمل شيئاً من كثرة السكر. بكلمات أخرى لم يعجبني منتج واحد من الذي يوصف بأنه الأكثر مبيعاً.
المنتجات الأخرى قد تكون أقل مبيعاً ولكنها ليست بالضرورة سيئة، وصانعوها حتماً لم يقصدوا عمل شيء سيئ، ولكن لماذا لا تعترف المطاعم بأن منتجاً ما سيئ أو أقل مبيعاً؟
كنت في مقهى بطابع فرنسي في دبي مع صديق، فسأل الصديق عن الأفضل مبيعاً، وأشار له النادل إلى كعكة لا تختلف أبداً عن أي كعكة أخرى. بينما سألته أنا عن الأقل مبيعاً، فضحك! فقلت له أعطني منتجاً واحداً لا يبيع وسأدفع لو لم يعجبني ولن أخبر أحداً ولن أصور شيئاً. فأشار إلى كعكة تفاح وقال لا أحد يطلبها فقلت ائتني بها. وعندما تذوقتها وجدتها في منتهى الروعة.
ازدادت ثقتي في النادل لأنه قال الحقيقة بينما لا أثق أبداً في بائع أو نادل يخفي الحقيقة عني ليروج منتجاً رديئاً أو عادياً.
نشرت مجلة «هارفارد بزنس ريفيو» تقريراً يقول إن الولايات المتحدة وحدها تهدر ما قيمته 15 مليار دولار من المواد الغذائية ويتخلص المزارعون الأميركيون من ثلث محاصيلهم بسبب عيوب في شكلها فقط بينما هي صالحة للأكل لأنهم يخشون أنها لن تباع بسبب نفور الناس من شكلها.
هناك ظاهرة نفسية تسمى «جزاء القباحة» وبسببها تختلق الناس صفات سلبية لمنتجات غير جذابة. فالعقل البشري ينفر من القبيح أو غير الجذاب أو الأقل مبيعاً ويتخيل أن مذاقه سيئ وأنه غير صحي.
كم مرة دخلت إلى بقالة أو سوبر ماركت ورأيت تفاحة بها شقوق، ربما بسبب ارتطامها بشيء حاد، فتتخيل أنك ستتسمم بسببها؟!
أما إذا سألت نفسك بعقلانية لماذا يباع منتج «مضروب» كهذا في سوبر ماركت؟، فإنك قد تستوعب أنك أوهمت نفسك بأنه غير صحي أو غير لذيذ بسبب شكله فقط، ولم تسأل نفسك: إذا كان فاسداً فلماذا يباع في هذا المكان؟
عبرة
في مقهى «حيوان الرنة» وقبل أن أفتح فمي قال لي البائع في «مجازفة تسويقية» يجب أن تجرب الشاي بالتوت. فقلت: وهو كذلك. فأحضر لي ما ظننته أسوأ مشروب تذوقته منذ زمن ما قبل كورونا. فأعدته وأخبرته أنه سيئ جداً. فقال ولكنه الأفضل مبيعاً. فسألته وما الأقل مبيعاً عندك؟ فقال الذي بجانبه في الصورة وأشار إليه. فطلبته فأعجبني جداً. نصيحة: اتبع قلبك ولا تتبع الأكثر مبيعاً.
@abdulla_AlQemzi
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.