المكيّف Air Condition (2)
يستمر جدل البعض حول «الدعاء» لمن اخترع المكيف، لكننا لن نتطرق للجوانب الفقهية من الموضوع، بل نركز على ما يعنينا.
إن اقتصاد المعرفة يرتكز على الابتكار، وما شهدناه من خلل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الشحن، ومنع تصدير الحبوب، يعيدنا إلى حجر الزاوية، حيث قيل: «لا خَيرَ في أمّةٍ تأكلُ مِمّا لا تَزرعُ، وتَلبَسُ ما لا تصنَع»، ونسب القول لحديث ضعيف، ونسبه آخرون لبعض المفكرين، ومنهم جبران خليل جبران، ليصبح: «ويلٌ لأمة تأكلُ مما لا تزرعُ، وتلبسُ ممّا لا تخيطُ، وتشربُ مما لا تعصرُ».
إن ثورة التبريد وتطوره عالمياً، وتحول تقنياته إلى مستدامة وتواكب احتياجات المتعامل، تدفعنا لتشجيع تطوير تقنيات التبريد والتكييف الزراعي، فمن غير المعقول أن يكون البديل الوحيد لدينا لتبريد البيوت الزراعية استهلاكاً جائراً للمياه!
لاسيما أن تسميتها في دول عربية أخرى «الصوب الزراعية» أي «الدفايات الزراعية»، وهو ما يعكس أن تصميمها الحقيقي يراعي الأجواء الباردة لا الحارة بتصميمها الأصلي للتعامل مع طقس أقل حدة. هل سنشهد مسابقات عالمية وأبحاثاً أكاديمية لتطوير تقنيات عملية وغير مكلفة لدعم الزراعة الحديثة والأمن الغذائي، عبر ما يسمى بالتنمية الزراعية المستدامة؟
إن الدعم الحكومي الموجه والمقنن، مثل دعم الاتحاد الأوروبي لمنتجات زراعية محددة ومعرّفة، يستحق النظر، كما أن تحول الطاقة يجب أن يشمل القطاع الزراعي، ومن الممكن أن يتضمن خيارات مستدامة للتبريد الاقتصادي المستدام.
كذلك، فإن مكرمة وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بدعم محدودي الدخل، قد تشمل فئات إضافية، مثل المتقاعدين وكبار المواطنين وغيرهم.
ومع موجة الحر أو ما سماه الأمين العام للأمم المتحدة «عهد الغليان العالمي»، داعياً إلى تسريع العمل المناخي، لتجنب احترار طويل الأمد على مدى سنوات عدة، فإن العمل المناخي ليس ترفاً، بل ضرورة، ونعم الله علينا عديدة، لكن تصاحبها صعوبات تتطلب جهوداً خاصة، مثل الطقس القاسي الذي يستمر أثره لأشهر قلائل على مدار العام، ولانزال بفضل الله بعيدين عما يعانيه ملايين البشر من انعكاس مؤسف للواقع القاسي لتغير المناخ ونذير للمستقبل.
إن المحرك الرئيس لارتفاع درجات الحرارة عالمياً هو الانبعاثات البشرية المنشأ. ومناشدات التأكيد على ضرورة «أن نحول سنة حرارة مُحرقة إلى عام طموح متقد»، خصوصاً مع قرب انعقاد «COP28»، كقمة للخلاص البشري من التحديات البيئية والتغير المناخي، تعكس طموحاً عالمياً لحدوث طفرة بشرية في استثمارات التكيف لإنقاذ ملايين الأرواح من «المذبحة المناخية»، ومن مرتكزاتها تفعيل صندوق الخسائر والأضرار أثناء قمة المناخ (COP28)، فمن غير المقبول «المزيد من التأخير أو الأعذار»، خصوصاً من الدول المتقدمة التي لم تف بالتزاماتها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية، من أجل الدعم المناخي، وتجديد موارد الصندوق الأخضر للمناخ، ولا نتحدث هنا عن الدول المتطورة اقتصادياً فحسب، بل المتقدمة عسكرياً التي أنهكت تجاربها وصراعاتها وأسلحتها، لاسيما النووية، الأرض.
إن المشاركة في قمة الطموح المناخي، بخطط انتقال موثوقة تتماشى مع معيار الانبعاثات الصفري للأمم المتحدة، واجب على الجميع، ويشمل المستويات كافة، فالأرض للجميع، والمحافظة على استدامتها وجودي لا اختياري، ولعل أول هذه المجالات هو الانبعاثات، إذ شدد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة وضع أهداف وطنية جديدة طموحة للحد من الانبعاثات، قائلاً: «نريد أن تتخذ جميع البلدان إجراءات تتماشى مع ميثاق التضامن المناخي وخطة تسريع العمل المناخي».
ومع منع تصدير الأرز «العيش» من العديد من الدول، نقف أمام متفرق طرق مهم، يذكرنا بضرورة تعميم ما تم تطبيقه في إمارة دبي بخصوص المخزون الغذائي، والبناء على ما طورته هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، تكاملياً مع القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2020 بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية في الدولة، الهادف إلى تنظيم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية في الدولة في حال حصول أزمات وطوارئ وكوارث، وتحقيق الاستدامة في مجال الغذاء، وتطوير مبادرات مكملة وموازية، مثل إنشاء مخازن مبردة للتحكم في العرض والطلب للمنتجات الغذائية المحلية لاسيما الزراعية، وتعميم النقل المبرد، وتوفير حلول تمويل للنقل الجماعي، وتعزيز أبحاث التبريد لإحلال تقنيات البيوت المحمية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، لإيجاد بدائل تتعامل مع ظروف مناخية تناسب أجواءنا. نحتاج أبحاثاً خاصة في هذا المجال، وحلولاً تمويلية مبتكرة، تشرك وتعزز قدرات القطاع الخاص.
هل سنرى مسرعاً للتمويل الأخضر يسابق الزمن، ويسبق انعقاد قمة المناخ للسيطرة على «شرور ارتفاع درجات الحرارة»، يعزز جودة حياتنا واستدامة مواردنا، ويقلص انبعاثاتنا، ويخفض استهلاكنا، ويسهم في تحول طاقتنا، لاسيما في القطاع الزراعي، ويحقق أمننا الغذائي؟
نأمل ذلك، وللحديث بقية..
مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.