«نلتقي»
حتى لا تسقط سعاد حسني ثانية
يكفي أن تكتب في محرك البحث «غوغل» كلمات مثل «مأساة الفنانين المصريين» حتى تصدم بأخبار العشرات منهم قديماً وحديثاً انتهوا نهاية مأساوية، يتناهبهم الجوع والفقر والمرض، وبعضهم كانوا نجوماً من الصف الأول، ما كان ليخطر على بال أحد أنهم سيلاقون هذا المصير البائس. فمن المؤلم بل من المعيب أن نسمع أن نجماً مثل يونس شلبي الذي لطالما رسم البسمة على شفاهنا، اضطر إلى بيع أثاث بيته لكي يغطي نفقات معيشته وعلاجه، دون أن تمتد له يد الإعانة ممن كانوا يحلمون يوماً بأن يجاوروه على خشبة مسرح، أو يشاركوه تمثيل فيلم. وكذلك شأن سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني وما رافق نهايتها المأساوية من حقائق اختلطت بالشائعات، المؤكد فيها أنها عانت الحاجة والمرض والاكتئاب قبل سقوطها من شرفة الشقة التي كانت تقيم بها في لندن. ونبلغ قمة التراجيديا مع الفنان أمين الهنيدي الذي بقيت جثته محتجزة في أحد المستشفيات، ولم يستطع أهله إخراجها لعدم قدرتهم على دفع مصروفات علاجه البالغة 2000 جنيه فقط، أو مأساة الفنان المثقف عبدالعزيز مكيوي الذي هزت صورته نائماً في العراء لا يجد ما يأكله، الأوساط الفنية والشعبية، وكم من فنان وفنانة غيره لاقوا مصيراً مشابهاً.
تذكرت هذه القصص وكثيراً غيرها على امتداد العالم العربي كله - وليس حكراً على مصر وحدها - وأنا أقرأ عن مكرمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي أمر بتشييد مبنى «دار القوة الناعمة للرعاية» في القاهرة، المخصص لإقامة كبار المسنّين التابعين لنقابة المهن التمثيلية المصرية. ولم يكتف سموّه بهذا، بل خصص وديعة مالية لتسيير شؤون الدار وتغطية كل النفقات التشغيلية، بما فيها أجور العاملين وعلاج المقيمين فيها، وهي مبادرة كبيرة يجب أن تثمن ويبنى عليها، ولا تعفي الجهات التي من واجبها رعاية الفنانين في كبرهم، من مسؤوليتها، بل هي حافز كبير للتحرك عاجلاً لاجتراح الحلول حتى لا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام عبدالعزيز مكيوي جديد.
أتفهم جيداً ضعف إمكانات النقابات الفنية والتمثيلية مقارنة بالحالات المتزايدة للفنانين المحتاجين لمساعدة مادية ونفسية، لكن العمل المؤسساتي من خلال السعي لوضع قوانين تحمي آخرة هؤلاء الذين أدخلوا الفرحة على قلوبنا، ومتابعة تطبيقها يصبح ضرورة، لكي لا تبقى مكرمة حاكم الشارقة عزفاً منفرداً على مسرح المأساة. وعلينا ألا ننسى أن الفنان المبدع كائن هش ينسى أن سنوات الأضواء والشهرة ستنحسر عنه يوماً، فيجب أن يجد حينها من يمسك بيده ويحفظ له عيشاً كريماً في كبره، ويقول له: هذا أقل الواجب، شكراً لأنك أسعدتنا يوماً.
@DrParweenHabib1
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.