يوميات في العمل الخيري (17)
بل قرض مردود
جاء التوجيه الرباني بتكليف الناس بعضاً من الأوامر التي تختلف درجة مشقتها من إنسان إلى آخر، وكلما سهلت تلك الأوامر على النفوس وتلقتها بيسر كان ذلك علامة نضج وفضل، وأعني بتلك الأوامر الدعوة إلى الإنفاق في وجوه الخير، فهي في بدايتها شاقة على النفوس، لأن الله تعالى جبلها على حب الخير والمال، فقال {وإنه لحب الخير لشديد} وقال {وتحبون المال حباً جماً}، فجاء التكليف بالمكاره وهي أن يطلب الله من عبده جزءاً مما يحبه وتحرص نفسه على المحافظة عليه، فقد يضحي البعض بروحه ولا يضحي بماله.
فإن استجاب لأمر الله تعالى وعده بالفلاح والفوز، قال تعالى {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}، فهذا المنفق جدير بالفلاح لأنه قهر نفسه وغلبها وآثر محبوب الله على ما تميل إليه نفسه فاستحق الخير العميم.
لكن قف برهة مع نفسك وتأمل، فالله تعالى أغنى الأغنياء فلا يحتاج درهمك ولا دينارك، وإنما ينتظر منك صدقة تؤكد بها صدق إيمانك وثقتك بالله وبما أعده للمنفقين في سبيله.
ولأن الله تعالى هو الغني فجعل ما تنفقه قرضاً بينك وبينه، ليطمئن قلبك ويشرح صدرك ويبين لك أن ما أنفقته مردود إليك بأضعاف ما أنفقته.
فقال تعالى {من ذا الذي يقرض قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}.
من يتأمل هذه الآية يجد فيها من الدواعي إلى الإنفاق الشيء الكثير.
أولاً: تسميتها قرضاً، والقرض مال مسترد لصاحبه، فصدقتك مردودة لك.
ثانياً: كم من قرض لم يرد إلى أصحابه، ولكن المقترض هنا هو الله تعالي، ومن أصدق من الله قيلاً.
ثالثاً: القرض لا يعود بقدر تبرعك ولا بضعف واحد أو ضعفين، وإنما بأضعاف كثيرة.
رابعا: أن الله تعالى هو القابض الباسط، فمن يمينه ملأى ويده بسطة بالرزق سيعيد لك قرضك عطاء ليس له نظير ولا مثيل.
قال ابن كثير: أي أنفقوا ولا تبالوا فالله هو الرزاق.
زد على ذلك وعوداً أخرى تطمئن النفوس الخائفة المترددة ومنها قوله تعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}، و{وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}، وانظر إلى خواتيم تلك الآيات {خير الرازقين}، {وأنتم لا تظلمون}، فهي من المرغبات والمشوقات للنفوس أن تبذل الأموال رجاء الظفر بما عند الله.
[في ميزان الله تعالى الصدقة لا تُنقِص المال]
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.