غفلة وسذاجة

سنتناول معاً زاوية قانونية بالغة الأهمية، مرتبطة بالجريمة الأكثر شيوعاً في العالم في الوقت الراهن، وهي «الاحتيال الإلكتروني».

يتطلب لوقوع هذه الجريمة، أن يقع احتيال من المتهم على المجني عليه بقصد خداعة، والاستيلاء على ماله بطرق، منها اتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة، ويتعين أن يكون من شأن الطرق الاحتيالية، الإيهام بوجود مشروع كاذب، أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل في ربح وهمي.

وقانوناً، يكفي اتخاذ الجاني صفة غير صحيحة، لاعتبارها وسيلة مستقلة من وسائل النصب، دون حاجة للنظر إلى طرق احتيالية أخرى، طالما جرت في ظروف واعتبارات من شأنها خداع المجني عليه، وحمله على تسليم ماله.

ما سبق تقديم مهم، حتى ندرك حقوقنا، ونعي متى يمكننا اللجوء إلى الجهات المختصة للإبلاغ عن حالات الاحتيال، بمجرد اكتشاف أن الطرف الآخر يتخذ صفة غير صحيحة..

أما الزاوية التي أود التركيز عليها، فتتلخص في قاعدة قانونية تمهد بها المحكمة لقضائها في هذه الدعاوى، وتنص على أن «الطرق الاحتيالية يجب أن تكون على درجة من الإتقان الذي يسمح بخداع الشخص متوسط الذكاء، ويجب ألا يكون المجني عليه من الغفلة والسذاجة بأن يصدق كل ما يسمعه أو يتلقاه من أكاذيب».

وبتطبيق هذه القاعدة على جريمة تكررت أخيراً، ارتكبها جانٍ واحد، تتمثل في التواصل مع إدارة مطعم ما، عن طريق تطبيق «واتس أب»، من رقم خارجي، يحمل صورة واسم امرأة، تطلب عدداً كبيراً من الوجبات لتوزيعها على المحتاجين، ولا تكتفي بذلك، بل تطلب من المدير أو المسؤول عن المطعم، إضافة مبلغ مالي وتوزيعه مع كل وجبة!

ولا أدري صراحة، ما إذا كان من الطريف أم من المؤسف، أن هناك مطاعم خدعت أكثر من مرة، وأعدت وجبات مشمولة بمبالغ مالية، أخرجتها من خزينة المطعم، دون أن تحاول إدارته تحصيل الثمن مقدماً كما هو معتاد في هذه المواقف، وهل يفترض بالمطاعم أن تضع أموالاً داخل الوجبات؟!

وهنا نطبق القاعدة، ونسأل هل هذه خدعة يمكن أن تنطلي على شخص متوسط الذكاء؟ وهل يعتبر المجني عليه هنا من الغفلة والسذاجة أن يصدق ما يتلقاه من أكاذيب؟

تعتمد الإجابة على تقدير المحكمة للواقعة.

العشرات من جرائم الاحتيال تقع بأساليب صادمة من فرط سذاجتها، وهناك دول عدة لا تسجل هذه البلاغات، بل ربما يتلقى المجني عليه لوماً وتقريعاً لاذعاً إذا قرر الإبلاغ، إذ تعد إهداراً لوقت وجهد وموارد الأجهزة الأمنية والقضائية!

فيما لا تغلق قيادات الشرطة في دولة الإمارات، وتحديداً شرطة دبي، ومن بعدها النيابة العامة والمحاكم، الباب في وجه أي ضحية حتى لا يهنأ الجاني بجريمته.. لكن يظل واجبنا الانتباه، حتى لا نُخدع، ونخسر أموالنا، وتهدر حقوقنا بسبب الغفلة والسذاجة.

*محكم ومستشار قانوني

الأكثر مشاركة