ساعتان بلون الورد

نكتب كلمة «باربي» على محرك البحث «غوغل» فتتلون الشاشة أمام أعيننا باللون الوردي احتفاء بالفيلم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ صدوره، وتجاوزت إيراداته عتبة المليار دولار في أيام قليلة. لفت نظري إلى الفيلم إصرار ابنة أختي على ارتداء ثياب وردية لحضور عرضه في السينما، ثم شدتني الضجة الكبيرة التي أثارها الفيلم، وبما أنني كائن يستقي معلوماته أولاً من القراءة بحثت عما يروي فضولي فلم أجد سوى عناوين مثل «منع عرض فيلم باربي» و«خدش الآداب العامة» و«ترويج للشذوذ والنسوية»، فوجدتها أخباراً حول الفيلم وليست رؤية من الداخل، وأكاد أجزم أن من كتبوا ذلك لم يروا الفيلم بأعينهم بل بآذانهم، فقررت أن أرفض كل وصاية على عقلي، وأن أشاهد وأحكم بنفسي.

هي حكاية تلك الدمية التي رافقت طفولة أجيال متعددة منذ أكثر من 60 عاماً ومازالت تثير الحنين حتى عند من أصبحوا كباراً ناضجين، أنزلتها المخرجة غريتا غيرويغ من برجها الوردي وألقت بها إلى الواقع بتناقضاته وقسوته وذكوريته المفرطة. فعالم «باربي لاند» الذي نمّط المرأة في صورة البنت النحيلة الطويلة ذات العينين الملونتين والشعر الأشقر المنسدل على كتفيها كسنابل تركت بغير حصاد، ينهار أمام ضربات السلطة البطريركية والتحرش وشكل الدمعة وطعم الحليب المنتهي الصلاحية.

حتى قبل الفيلم حاولت شركة «ماتيل» المصنعة للدمية كسر القالب الذي وضعت فيه «باربي» فمنذ سنوات أصدرت نسخاً مختلفة عن الدمية؛ فمنها السمينة والقصيرة والسمراء، ووصلت هذه التنويعات إلى ما يقارب 200 شكل لها، لكن هذا الفيلم أعطاها بعداً إنسانيّاً ليس محصوراً في الشكل فقط، وبعيداً عن تلميحات المثلية التي لم أرها رسالة أساسية في الفيلم، أرى أن الرسالة الحقيقية هي التنوع وقبول الآخر ودعم المرأة، وكأن الفيلم يقول لنا إن باربي ليست تلك الشقراء التي تُطلق النكات على غبائها بل إنها حين تخرج من عالمها البلاستيكي إنسان يحس ويتألم ويفكر. وهي الفكرة المركزية للفيلم التي أبدعت النجمة العالمية مارجو روبي في إيصالها. ساعدها على ذلك إخراج قوي وديكور باذخ وغرافيكس متقن واستلهام ذكي لأبطال السينما الأميركية أمثال ترافولتا وستالون.

قد تكون الحملة الترويجية الضخمة التي أطلقتها الشركة المنتجة «وارنر براذرز» يضاف إليها الحملة المضادة إن صحت تسميتها المتمثلة في انتقادات المحافظين في أميركا للفيلم والدعوات إلى منعه في بلدان عديدة ومنها بعض بلدان عالمنا العربي، قد يكون ذلك وراء الهوس بالفيلم الذي أراه فيلماً وسطاً بين مبالغات الطرفين، عزَفَ على وتر الحنين إلى الطفولة، فكان بشكل ما فيلماً ليس للصغار فقط بل وللكبار أيضاً تناول قضاياهم حتى الوجودية منها. ولوّن أحلامنا ولو لساعتين باللون الوردي.

• باربي ليست تلك الشقراء التي تُطلق النكات على غبائها بل إنها حين تخرج من عالمها البلاستيكي إنسان يحس ويتألم ويفكر.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.