الوهج الأحمر
نطالع يومياً تسجيل درجات الحرارة القياسية في مختلف المناطق حول العالم، وما يترتب على ذلك من جفاف للأنهار، ونفاد للمياه الجوفية، ولا يأتي يوم إلا ونسمع فيه عن حرائق الغابات هنا وهناك، وأيضاً عن الأعاصير والفيضانات التي تشرد الملايين وتدمر المحاصيل؛ وطبعاً أضحى السبب معروفاً بالنسبة للجميع، ألا وهو التغير المناخي الناتج عن الاحتباس الحراري، هذا الموضوع الذي أصبح يتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار، ويشغل الناس في مختلف البلاد والأمصار.
فما الاحتباس الحراري؟ ولماذا يحدث؟ وماذا يعني بالنسبة لمستقبل الأجيال القادمة؟
الاحتباس الحراري، أو ما بات يعرف اليوم باسم الاحترار العالمي، هو عبارة عن زيادة طويلة المدى في متوسط درجة حرارة الأرض، وهو يحدث بشكل رئيس نتيجة إطلاق غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، تلك الغازات التي تنجم عن الأنشطة البشرية والعمليات الصناعية، إضافة إلى العامل الأهم، وهو حرق الوقود من أجل الطاقة؛ يضاف إلى ذلك عوامل أخرى، مثل إزالة الغابات؛ فقطع الأشجار على سبيل المثال يقلل من قدرة الأرض الطبيعية على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، لأن تلك الأشجار تلعب دوراً رئيساً في امتصاص هذا الغاز أثناء عملية التمثيل الضوئي، وعندما نقوم بقطعها وإزالتها، فإننا نسهم بشكل أساسي في إعادة إطلاق هذا الكربون مرة أخرى في الغلاف الجوي.
ولعلكم جميعاً بتم اليوم على دراية تامة بتداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري، وأبرزها ارتفاع درجات الحرارة التي أصبحت تؤثر في عموم الناس، وخاصة كبار السن والضعفاء؛ ومع ارتفاع درجة الحرارة تذوب أيضاً الأنهار الجليدية والقمم الجليدية بمعدلات سريعة جداً تنذر بالخطر، لأن هذه المياه الذائبة بدأت فعلاً بالتدفق إلى المحيطات، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر، وحدوث الفيضانات الساحلية التي تهدد المنازل والبنى التحتية، حتى إن دولاً بكاملها أصبحت مهددة بالغرق مثل جزر المالديف، إلى جانب العديد من الأراضي السهلية والساحلية في دول مثل بنغلاديش وفيتنام وهولندا؛ كما أن الحرارة الزائدة تجعل الغابات أكثر جفافاً، لأنها تتسبب في تبخر المزيد من الرطوبة من التربة والغطاء النباتي، وبالتالي تخلق الظروف المثالية للحرائق لكي تشتعل وتنتشر بسهولة منقطعة النظير.
قد يقول قائل منكم: وماذا عن المياه المتبخرة من البحار والمحيطات، ألن تعود علينا خيراً وأمطاراً في كل مكان؟ والجواب للأسف لا، لأنه وإن كان التبخر المتزايد بسبب الاحتباس الحراري سيزيد من الرطوبة في الغلاف الجوي، لكنه لن يضمن هطول الأمطار بشكل منتظم، فأنماط الطقس معقدة، ولا يمكن التنبؤ بها، بل إنها تؤدي إلى توزيع غير متساو لهطول الأمطار، فتارة نشاهد هطول أمطار غزيرة وأعاصير وفيضانات، وما يرتبط بها من خراب ودمار في مناطق من العالم، وأخرى نشاهد نوبات من الجفاف المستمر الذي يعطل الإمدادات الغذائية، ويؤدي إلى المجاعات في مناطق أخرى؛ أي أن الطقس المتطرف هو العنوان الأبرز للاحترار العالمي.
لعل أفضل ما أختم به هو القول إنه وكما هي الحال في لحظات الظلام، يتطلع الجميع إلى منابع النور، وستبقى دولة الإمارات دوماً في طليعة مستشرفي المستقبل وسابري تحدياته، وهي التي خطت خطوات جبارة في سياق الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ، حتى أصبحت اليوم مثالاً يُحتذى به للدول كلها في جميع أنحاء العالم؛ وقد تجلى ذلك من خلال العديد من المبادرات والاستراتيجيات المتمحورة حول البيئة والتنمية المستدامة، والتي يأتي في مقدمتها استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 التي تعتبر أول استراتيجية موحدة للطاقة توازن ما بين الإنتاج والاستهلاك، وما بين الالتزامات البيئية العالمية مع ضمان توفير بيئة اقتصادية مريحة للنمو في جميع القطاعات؛ كما أن استضافة الدولة مؤتمر الأطراف (COP28) في نهاية هذا العام، تمثل لحظة محورية لحشد الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، وأيضاً وعداً بتوحيد الأمم لتسريع العمل المناخي. ولعل الأهم هو أن هذا المؤتمر يأتي تتويجاً لعام الاستدامة الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، تحت شعار «اليوم للغد».
مؤسس سهيل للحلول الذكية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.