كمالية
في شركة لإعادة تدوير المواد البلاستيكية في الدنمارك، نُقلت كلارا لتعمل تحت إدارة لوكاس. كان لوكاس ينشد الكمالية في كل شيء، وكان متعباً جداً وينظر إلى كل جزئيات العمل.
طلب لوكاس من كلارا كتابة خطاب طلب عروض لثلاث شركات لتكليف إحداها بتجديد آلات مصنع الشركة. كتبت كلارا الخطاب وأرسلته إلى لوكاس. وافق عليه لوكاس فوراً وطلب منها متابعة الأمر.
أرسلت كلارا طلباً لشركة في ألمانيا وأخرى في النرويج والثالثة محلية. وكانت كلارا مثل معظم سكان إسكندنافيا تتمتع بطلاقة في ثلاث لغات أوروبية على الأقل. وصلت العروض فلخصتها كلارا ورتبتها وأرسلتها إلى لوكاس.
اتصل لوكاس بكلارا، وقال لها: في العرض الأول لماذا الخط صغير في الفقرة الأولى وكبير في الثانية؟ فقالت كلارا إنه كبير بدرجة واحدة فقط، ولم أظن أن ذلك سيؤثر على..
قاطعها لوكاس: نعم هو يؤثر ولا تقولي لا أظن، فالظنون سبب كل مشكلات هذه الشركة. وأغلق الخط في وجهها. أعاد لوكاس ملخص الطلبات إلى كلارا، فعدلته وأرسلته إليه.
جاء لوكاس إلى مكتبها حاملاً الملخص مطبوعاً، وقال: ألا تعرفين كيف ترتبين الجدول؟ لماذا لم تضعي نقطة في هذا المربع فأعرف أن الجملة انتهت؟ ولماذا هنا فاصلة؟ فقالت: لأن الجملة غير مكتملة. فقال: لا تستخدمي فواصل أبداً، لا أريد رؤية فواصل في الكتابات، ضعي نقاطاً فقط. قالت كلارا: هل هناك شيء غير مفهوم في التفاصيل؟ أو اشرح لي كيف أعاقت الفواصل أو غياب نقطة هنا أو هناك فهمك للملخص؟ فقال: لا تجادليني وافعلي ما أطلبه منك.
ثم كيف استخدمتِ مفردة نرويجية في خطابك إلى شركة ألمانية؟ قاطعته كلارا وقالت: كفى! سأصلح «الأخطاء». وأشارت بأصابعها الأربعة لعلامة التنصيص.
كلارا أساساً خريجة أدب إنجليزي، وأضافت إدارة الأعمال إلى دراستها، وكانت تعمل تحت إدارة ماركوس الذي لم يدقق في التفاصيل مادامت الأمور تمر بسلاسة، ولأن ماركوس كان رجلاً بخبرة ميدانية واسعة ويمضي جل وقته في المصانع.
مع الأيام فقدت كلارا الثقة في نفسها، ولم تعد قادرة على كتابة التقارير والملخصات، لأن لوكاس لديه قواعد عمل خاصة به: ما تعرف كلارا أنه صحيح يقول لوكاس إنه خطأ، والعكس.
طلب لوكاس من الإدارة تغيير كلارا، فنقلوا إليه ثيودور، أما كلارا فأخذت إجازة.
كلارا عاشقة لمسرحيات الأوبرا وحضرت إحداها، وعند خروجها جلست في مقهى وكتبت تعليقاً مطولاً عن المسرحية يعكس إعجابها الشديد بالعمل في «إنستغرام» ومزاجها في أفضل حال.
قرأ لارس التعليق وأعجبه بشدة وهو يدير مدونة متنوعة على الإنترنت ويبحث عن شخص يسهم في الموضوعات المنشورة، فوجد ضالته فيها وتواصل معها، وطلب منها المشاركة في مدونته واستعادت ثقتها بنفسها.
لا يوجد شيء اسمه كمالية، فالكمال لله وحده، ونحن بشر لن نصل إلى الكمال مهما حاولنا. ما يعجبك لا يعجب غيرك والعكس. لا تدقق في التفاصيل إلا إذا كان مطلوباً منك ذلك وأساس عملك التدقيق، لكن ركز في تطوير العمل والارتقاء به.
إن طالبت شخصاً بالكمال فسيفقد ثقته بنفسه. عملية التطوير والارتقاء لا تخلو من الأخطاء، لكن المهم تحقيق الهدف وإنجاز العمل في الوقت المناسب.
abdulla_AlQemzi@
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.