أيها الفنان.. ما دورك
أتعجب من الكثير من الفنانين في العالم العربي عندما يُسألون عن دورهم في الحياة من خلال مهنتهم، فيجيبون بأنهم يقومون بـ«إسعاد الناس»! هل تأسست الأكاديميات الفنية في العالم عبر التاريخ من أجل تخريج أجيال من «مسعدي الناس»؟!
لست ضد الكلمة تحديداً، لأنها قد تكون فضفاضة ولديها أبعاد كثيرة للفنان الذي فعلاً يعنيها، ولكنني أتحدث عن الذين يطلقونها كرصاصة في وجه السؤال الذي لا يعرفون كيف يجيبون عنه، وكأن عملهم هو عمل البهلوان الذي يسلي الناس لوقت محدد، وكي لا يساء الظن بي فأنا أحترم مهنة البهلوان كثيراً ومدرك مدى صعوبتها.
أما الفنان، فبمجرد إطلاقه لعمله الفني، فإن دوره يبدأ هنا ولا ينتهي حتى بعد رحيله من العالم. وظيفة الفنان تحريك وجدان الناس نحو عواطف معينة، سواءً الشجن أو الفرح أو الوطنية أو أي قيمة إنسانية، أو تحريك أفكاره وإثارة تساؤلاته، والعائد على الفنان يكون معنوياً ومادياً وهذا ليس بخطأ، فهذه مهنة في النهاية والربح مطلوب للاستمرارية والحياة.. ولكن هذا ليس كل شيء.
لنأخذ الأغنية كمثال، الشعر هو نتاج فكر ومشاعر إنسان، واللحن لشخص لديه تراكمات سمعية وثقافية معينة جعلته يلحن الكلمات بهذه الطريقة، ولن أتحدث عن التوزيع الموسيقي لأن الحديث سيطول، العبرة هي أن كل فرد من هؤلاء هو عينة من المجتمع، وإذا استطاع المغني أن ينجح بهذا العمل وينتشر من خلال ملامسته لأكبر عدد من الناس، فإن هذه جميعاً مؤشرات لثقافة مجموعة من البشر في حقبة معينة، بل وحتى الوضع الاقتصادي لبلد الأغنية، ومستوى التعليم الذي لديه ارتباط مباشر بالذوق العام، بما في ذلك القيم الإنسانية في المجتمع والمستوى الفكري وأحياناً الأخلاقي لمحبي الأغنية!
أنا لا أبالغ.. الأغنية وثيقة، وكل عمل فني وثيقة ستبقى في التاريخ وسيتم الاعتماد عليها عاجلاً أم آجلاً، لأنها مليئة بالمعلومات والمؤشرات المطلوبة للدراسات الإنسانية والتاريخية، فالمنتج الفني منتج إنساني بحت، وهو كنز يزيد ثمنه كلما مرت السنوات، وأنا لا أتحدث عن مستوى معين من الفن، بل جميع المستويات، فحتى الفنون «الهابطة» هي مؤشرات لأشياء أخرى من الضروري أن تدركها الأجيال المقبلة أيضاً.
للأسف هذه الإجابة التي يقولها كثيرون من الفنانين هي أيضاً مؤشر لقلة وعي لدى نسبة كبيرة منهم، والمحزن أكثر هو أن تسمع هذه الجملة من فنان أكاديمي. بعد هذا كله.. كيف ترى مهنتك أيها الفنان، هل مازلت تصر على أن وظيفتك هي فقط «إسعاد الناس»؟