من لا يتجدّد يتبدّد

استفزّ عنوان مقالي الأسبوع الماضي «الثقافة ليست كتباً فقط» بعض فئران الكتب من أصدقائي – وأنا أعدّ نفسي واحدة منهم – واعتبروا أنه سيُفهم خطأً كدعوة للإعراض عن القراءة، والحقيقة أن ما قصدته كان تقييماً لتجربتي في تقديم البرامج الثقافية، ووقفة تأمل في مسيرة لا أريد أن أبقى حبيستها رغم ثرائها، فمن ولدوا مع بدء عملي التلفزيوني أصبحوا شباباً، ومنهم من يقود قاطرة الإعلام الجديد، ومن سنوات عدة أنا مهجوسة بكيفية الوصول إليهم، فلست مقتنعة بأن فكرة «قتل الأب» التي راجت لدى الكتاب الشباب ضرورية في الإعلام، بل أرى أن تجسير الهوة بين الإعلام التقليدي بخبرته وامتلائه والإعلام الجديد بسرعته وجرأته ممكن؛ لذلك اعتبرت تجربتي في برنامج «بروين شو» خطوة صحيحة في هذا المسار؛ حيث خلعتُ فيه ثوب المحاورة التي تدخل برنامجها بمقدمة بليغة وعينها على النخبة، ولبستُ ثوب الصورة والإيقاع السريع. لم أتخلّ عن ثقافتي ولا قناعاتي ولكني صففت شعرها بطريقة مختلفة وأضفت لها بعض الألوان المفرحة دون أن أنجر إلى القضايا الفضائحية أو الإثارة المشبوهة، وكان رائدي في ذلك ما تقدمه أوبرا وينفري عالمياً، وما يقدمه محمود سعد في برنامج «البيت بيتك» أو إسعاد يونس في «صاحبة السعادة» عربياً، وفوجئت بنجاح البرنامج الكبير، ففي موسمين فقط من عمره أصبح ماركة مسجلة يُبنى عليها، بل غدت بعض حلقاته «ترند» مثل حلقة الفنانة نوال الكويتية، وما كان لهذا النجاح أن يتم لولا وجودي في مدينة دبي بتنوعها الثقافي واستقطابها وجوه الفن والثقافة.

وحين قدّمت فقرة من التمثيل خفيفة الظل كانت عيني على جيل «تيك توك» و«إنستغرام»، ورغم تحذير بعض محبيَّ بأنني أغامر برصيدي فإنني كنت مقتنعة تماماً بالتجريب والتحديث ومن لا يعمل لا يخطئ.

تعلمت من «بروين شو» أن البرامج الخالصة للثقافة أصبحت «موضة» قديمة مع جيل لا صبر له على المكوث في مكانه طويلاً في الوقت الذي تتسلسل أمامه آلاف الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأدركت أن علينا أن نوسع مفهوم الثقافة ليشمل كل مجالات النشاط الإنساني، في تنويع مدروس لا يستثني اهتمامات الناس العاديين ولا الجيل الجديد وإن ظن البعض خطأ أن ذلك ابتذال، كما سعدتُ بأن أَصبح للإعلام المرئي الخليجي برنامجٌ يمثله، كنت أحلم بأن أعطيه خصوصية منطقتنا بموضوعات تهمّنا وبلهجتنا أحياناً.. لمَ لا؟!

لذلك مازلت أحلم بل أسعى لتكون تجربة برنامج منوع باباً أعبر عبره من الكلمة إلى الصورة، وهو ما سأفعله، فمن لا يتجدد يتبدد.

@DrParweenHabib1

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر