تبييض اللهجة

إبراهيم استادي

شاهدت مسلسل اسمه «الثمن» على قناة دبي زمان، وهو من إنتاج تلفزيون أبوظبي، أبهرتني كل عناصر المسلسل الذي أنتج في عام ١٩٨٨: مستوى الإخراج والديكور والأداء التمثيلي، والأهم من ذلك كله، المنطوق الإماراتي الصحيح!

رغم شح العناصر الفنية في ذلك الوقت، فإن العمل ظهر بهذه الطريقة المتقنة في أدق التفاصيل، وعندما تقرأ «التتر» تجد أن الذين عملوا خلف الكواليس فريق ليس كبيراً، ولكن تستشعر بأن وراء هذا العمل قائد شغوف بعمله وغيور على ثقافته وفنه.

أحد أبطال العمل هو الفنان الإماراتي عمر غباش، الذي مثّل في المسلسل مباشرةً بعد تخرجه في الولايات المتحدة الأميركية، وقد سألته مباشرةً عن كواليسه، فقال لي إن عرّاب العمل كان الفنان محمد الجناحي، رحمه الله، فهو من كتب السيناريو والحوار، ولا يقبل أن يصوّر أي مشهد قبل أدائه مرات عدة، والتأكد من أن المفردة الإماراتية تقال بالشكل الصحيح. «بونواف» كان عرّاب الدراما والمشروع الفني الإماراتي بشكل عام، لأنه كان لا يجتهد فحسب، بل كان يضع روحه وقلبه في كل عمل، وهذا ما أكدته لي الفنانة السورية مرح جبر عندما قصت عليَّ ذكرياتها معه في مسلسل «جواهر»، وكيف كان يذيب الجليد بينها وبين الفريق والنص الدرامي الصعب.

ما يجعلني أتساءل هو أنه رغم كل الإمكانات المتوافرة حالياً، فإن أول ما تراجع في الدراما الإماراتية هو المنطوق السليم للهجة، وليس السبب هو مشاركة إخواننا العرب فيها، بل في الحقيقة لعدم وجود جدية في التدقيق، ومطالبة القنوات بتبسيط المفردة الإماراتية أو «تبييضها»، من أجل الوصول إلى جميع المشاهدين! فقد شاهدت مسلسلاً منذ سنوات يمثل فيه زملاء لي في المسرح، وكانت لهجتهم سليمة إلى أن قالوا كلمة «يمة» و«يبه» التي يجمع عليها مجتمعنا بأكمله أنها لا يمكن أن تكون إماراتية! وعندما سألت أحدهم قال لي إن المنتج المنفذ بنفسه طلب منهم ذلك كي لا يخسر المسلسل تصنيفه «الخليجي»، ويطرح في السوق على أنه عمل إماراتي «فقط»!

كيف سننشر اللهجة الإماراتية «بتبييضها»؟ نشر اللهجة والثقافة لا يكون إلا بزخم وتكثيف الإنتاج حتى تصبح الكلمة الإماراتية مألوفة للجميع، هنا سينطلق العمل الإماراتي ليصل إلى جميع الأقطار العربية، وهذا يحتاج إلى سياسة توضع واستراتيجية بعيدة الأمد تخدم وتتبع بأمانة للبلوغ إلى الهدف، أما الأهم فهو وجود ذلك الشخص المؤمن بهذه القضية ليتبناها، ويجند كل العناصر الفنية والإعلامية من أجل النهوض بها، شخص أشبه بمحمد الجناحي، رحمه الله.

@ibrahimustadi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر