لا تعطني سمكة بل..

إبراهيم استادي

تعرفون المتبقي بالتأكيد، لأن هذا المثل تم استهلاكه بكل الأشكال الأدبية والفنية والإعلامية، ولكنه في الحقيقة من أكثر الأمثال واقعية..

عندما تختلط بالوسط الفني، ستسمع كلمة «نبا دعم» من أصغر فنان إلى أكبر مدير في المؤسسة الفنية، وهذا ليس بخطأ، فالدعم المادي مطلوب ولن أزايد وأقول إننا لا نحتاجه، ولكننا في عصر الذكاء الاصطناعي، في الزمن الذي يجني فيه طفل صغير مبالغ طائلة من ألعاب الفيديو التي يسجلها ويرفعها على «يوتيوب»، ومازالت المطالبة بالدعم المالي هي مطلب المجتمع الفني الأول!

في ثمانينات القرن الماضي أقامت وزارة الثقافة والشباب ورشة مسرحية ضخمة مدتها ستة أشهر، حاضر فيها كبار الأساتذة في الوطن العربي، وتخرج فيها الصف الأول من ممثلي ومنتجي ومؤلفي الإمارات، حتى إن خريجي هذه الورشة يقيمون إلى اليوم ورشاً تدريبية للشباب، وهذا يبشر بأن الساحة ستحقن دائماً بدماء جديدة.

ولكن هل فعلاً نحن بحاجة اليوم إلى كمّ من الفنانين، أم إلى محنكين في مجال الإدارة الفنية؟ أحترم جداً الأساتذة الفنانين الذين يديرون المسارح الأهلية والمؤسسات الفنية، ولكنهم في النهاية فنانون، وفي حقيقة الأمر، فإن الإدارة الفنية تحتاج إلى مواصفات معينة، وهو تخصص قائم بحد ذاته في الجامعات، ومنها «سوربون أبوظبي» التي تدرّس إدارة المؤسسات الفنية والرياضية أيضاً.

وبالعودة إلى السمكة المذكورة في الأعلى، فإن الدعم المادي جميل.. بل جميل جداً! ولكن كما احتاجت الدولة في يومٍ ما إلى إقامة ورشة ضخمة لتأسيس جيل من الفنانين، كانوا ومازالوا معطائين؛ نحتاج اليوم إلى رسم خطة لإقامة ورش للاستثمار في دفعات من المتخصصين في الإدارة الفنية وتعليمهم، يديرون المؤسسات الفنية في الدولة، ولا ينتظرون الدعم المالي فقط، بل يصنعون الفرص، ويجدون طرقاً خلّاقة للحصول على التمويل، وإدارة الأموال بحكمة، ويواكبون العصر في هذه العملية، ويقيمون علاقات استراتيجية محلية وعالمية مع مؤسسات شبيهة، كشركة شكسبير العالمية، و«لو باليه دي مونت كارلو» التي تسهم في الحياة الثقافية والاقتصادية في موناكو.

ذلك سيحدث قفزات في المجال الفني الإماراتي بشكل عام، ينتج عنها الغربال الذي يبقي الصفوة، وإنتاجات فنية عالية المستوى، ويصنع إقبالاً جماهيرياً نحلم به، وحضوراً عالمياً يضعنا فنياً على خريطة العالم.

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 
تويتر