كنوز وطنية

إبراهيم استادي

قررت أن أزور منزل الفنانة الإيطالية ذات النشأة المصرية داليدا في إحدى زياراتي الفنية إلى باريس، فقد كانت بالنسبة لي بوابة نحو الثقافة الفرنسية والحركة الفنية في خمسينات وسبعينات القرن الماضي. وعندما وصلت إلى باب المنزل، وجدت حافلة مدرسية ومجموعة تلاميذ صغار مع معلماتهم، وكانت المدرّسات يتحدثن عنها للصغار. دهشت لهذا المنظر، ومن ضمن ما قرأته في المقالات الثقافية، أن إحدى الشخصيات الفرنسية المعتبرة، قالت إنها تفضّل أن تعيد المسلة المصرية إلى مصر على أن تسلم داليدا، لأنها تعدّها إرثاً ثقافياً فرنسياً.

ليس غريباً على فرنسا هذا التقدير للفن والثقافة، وهذا العام ستتم زيادة ميزانية الإنفاق على المشروعات الفنية والثقافية 6%، أي ما يعادل 4.466 مليارات يورو للبعثات الثقافية والإعلامية، و4.025 مليارات يورو للوسائل السمعية البصرية العامة، حسب موقع وزارة الثقافة الفرنسية الرسمي.

المدهش في هذا الصدد، هو الاهتمام بهذه الأيقونات وكأنها كنوز وطنية يجب تقديرها وتضمينها في المناهج لتدرك الأجيال أن هناك من كان مسؤولاً - بشكل مباشر - عن التوظيف والحفاظ على الكلمة والفكر والثقافة المحلية.

هناك مبادرات جميلة في الإمارات أيضاً، لتقدير الكنوز الوطنية. فمثلاً وجدت شارعاً في عجمان باسم الشاعر الراحل راشد الخضر، رحمه الله، وهناك أيضاً قاعة في الشارقة باسم الفنان القدير عبدالله المناعي الذي قدّم الكثير للفن الإماراتي.

ومن أهم المبادرات الشبيهة - رغم أنها شخصية وكنت شاهداً عليها - تبنّي الدكتورة رفيعة غباش لإرث الشاعرة «فتاة العرب»، رحمها الله، وراقبت عن قرب كيف أعادت إحياء صوتها و قصائدها وسيرتها، وحرصت على أن تحمل جائزة شعرية اسمَها، وجمعت قصائدها كاملة في ديوان واحد، وأهدتها قاعة كاملة في متحف المرأة الذي رصدت - من ميزانيتها الخاصة - مبالغ طائلة لتأسيسه، حتى إنها تحدثت عن رغبتها في نقل هذا الإرث إلى مستوى آخر، من خلال إنتاج عمل «أوركسترالي» من أشعارها.

صحيح أننا كإماراتيين لسنا بذلك التعداد السكاني الكبير، لكن نسبياً لدينا عشرات من مثل راشد الخضر و«فتاة العرب»، بل ربما المئات من الكنوز الوطنية تنتظر «الجواهرجي» الذي يستخرجها وينفض عنها غبار السنين، ويضعها في منصة تليق بها وبإرثها. وتخيّلوا لو كان هذا مشروعاً وطنياً مدروساً طويل الأمد تُرصد له ميزانيات خاصة، لأصبح أكثر من ربع المجتمع الإماراتي نجوماً خالدة في تاريخنا الثقافي والفني.

ibrahimustadi@
 
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 
تويتر