الرقمنة الورقية
في يوم من الأيام قرّرت أن أغتنم الفرصة وأفتح حساباً لدى بنك ممن تقدم خدمات رقمية منقطعة النظير، فأعددت فنجان القهوة وجلست أمام جهاز الحاسوب. لقد بدا الموقع الإلكتروني واعداً ومنسقاً وواضح الخطوات، فنقرت على «فتح حساب» لتبدأ بعد ذلك جولة رقمية مضنية من الأخذ والرد، فأولاً طُلب مني مسح مجموعة كبيرة من المستندات والوثائق ضوئياً ورفعها إلى الموقع الإلكتروني؛ وبما أنني كنت مستعداً فقد استجبت سريعاً وأوفيت بكل المطلوبات، لكن للأسف كان الموقع يرفض كل المحاولات، تارة يتحجج بأن الصورة غير واضحة وحيناً بأن الملف كبير جداً ويتخطى سائر السعات، إلا أنه وفي نهاية المطاف، وبعد خمسة فناجين من القهوة، تمكنت أخيراً من رفع جميع المستندات.
بعد يومين، وصلني إشعار على هاتفي بنجاح عملية التحقق من الثبوتيات، وعليّ الانتقال الآن إلى خطوة التوقيع، وكانت التعليمات بضرورة التوقيع على ورقة بيضاء، ثم مسحها ضوئياً أو تصويرها، وأخيراً رفعها وتحميلها بعد التأكد من أنه ما فيها من شوائب ولا التباسات؛ وفعلاً قمت بذلك وانتظرت يوماً ثالثاً إلى أن أتتني رسالة أخرى بوجوب زيارة أقرب فرع من فروع البنك لتأكيد التوقيع؛ وفعلاً قمت بزيارة الفرع، حيث طُلب مني التوقيع مرة أخرى، ولكن هذه المرة تحت أنظار موظف البنك الذي بدا حاد البصر ثاقب النظرات، خصوصاً أثناء مقارنة التواقيع.
عدت إلى المنزل متعباً لأتفاجأ برسالة جديدة تطلب تحميل مستندات إضافية، مثل بيان الراتب والرخصة التجارية وغيرهما من الشهادات، فاستجبت على الفور متسائلاً عن عدد الخطوات الإضافية التي سيتعين علي القيام بها قبل أن أحظى بذلك الحساب الميمون؛ لكن انتظاري لم يطل، فبعد أسبوع تقريباً تلقيت ذلك الإشعار الذهبي «تهانينا! لقد تم فتح حسابك». فقرأته وأنا أضحك، فما كان من المفترض أن يكون رحلة سلسة وفعالة تحوّل إلى ملحمة رقمية مدتها أسبوع.
لا أقول بأن المشكلة هي بالتحوّل الرقمي، بل على العكس تماماً هو الحل لكل المشكلات، إلا أن تطبيقه السيئ هو الذي يطغى على فوائده الحقيقية. ولعل معظم الأخطاء في هذا السياق تنشأ من الافتقار إلى فهم لاحتياجات المستخدم.
أستطيع القول ختاماً بأن التحول الرقمي هو أداة صنعها البشر لخدمة البشر، ولكي ننجح حقاً في خوض هذا العصر الجديد وتحدياته، يجب علينا أن نحترم قوة التحول الرقمي، لأنه عندها فقط، سنطلق العنان لهذا التحول وسنرافقه يداً بيد في خلق مستقبل مشرق مملوء بالإمكانات.
مؤسس سهيل للحلول الذكية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.