فضل زاد
في إحدى سفرات النبي صلى الله عليه وسلم جاء رجل على راحلة له وئدت في مشيتها، ووهنت عن حمل راكبها، فجعل ممتطيها يتلفت يمنة ويسرة يبحث عمن يواسيه في محنته فيُعيره راحلة عنده، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حاله قال: من كان معه فضل ظهر (أي دابة) فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد (أي طعام) فليعد به على من لا زاد له. قال الراوي فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منّا في فضل، أي لا حق لأحدنا في أي شيء لديه قد زاد على حاجته.
وبتعبير عصري نقول: مَن عنده سيارة زائدة على حاجته فليمنحها للمحتاج، ومن كان عنده مكيف أو ثلاجة زائدة على حاجته فليعطها إلى من يحتاجها، ومن كان عنده هاتف زائد فلينفع غيره، إلى آخر تلك الأمور الكثيرة التي تفضل في بيوتنا، ومع ذلك نمتنع عن منحها الآخرين، ثم مآلها إلى التلف والخراب.
طعامك الذي يكب في القمامة كان ليغدو غداء وعشاء في بيت أرملة ترعى أيتامها، وسيارتك التي ركنتها في ناحية المنزل زمناً طويلاً حتى بعتها إلى «السكراب» كانت لتصنع فارقاً في ميزانية رب أسرة كبيرة، ملابسك وفُرشك التي رأت النور مرات يسيرة ثم صارت حبيسة الأدراج، من شأنها أن تستر عارياً وتدفئ أقداماً تشكو قسوة البرد، ولو جلت بنظرك في أنحاء بيتك، لرأيت أشياء وأشياء يمكنك أن تجود بها على الآخرين.
فلو أن كل إنسان منا أخذ الفاضل الذي تكدّس لديه ومنحه إلى غيره، لخلت البيوت من فوضى الأمتعة العارمة، وحصلت الاستفادة المثلى الصحيحة منها.
واليوم لا أناشد الأفراد فحسب، بل حتى المؤسسات والمطاعم والفنادق والشركات، وكل الجهات يمكنها أن تشارك المجتمع وتحقق التكافل المجتمعي الجميل، تحت مسمى مبادرة «فضل زاد» إن صحت التسمية.
ولكن من الضروري مراعاة ضوابط معينة لنجاح الفكرة، أهمها ألا يتعامل المتبرع مع تلك الفواضل معاملة من يسعى إلى التخلص منها، فيهبها إلى الآخرين في سبيل الفكاك، بل تكون معاملته لها معاملة المحسن الذي يقصد التبرع بالطيب النافع المفيد، فيحافظ عليها عن وجوه الفساد والتلف، ويقدّمها بطريقة حسنة تروق للناظرين (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه).
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.