«حيوا الهجن المضمراتي»

إبراهيم استادي

كثير من الأعمال نحفظها ونكررها ونعتقد أنها من الفلكلور الشعبي، ولكن مرد هذه الكلمات والألحان يكون لها صاحب ومؤلف أحياناً.. يحصل هذا عندما يغطي صيت العمل على صانعه من شدة نجاحه وانتشاره بين الناس، ولقلة التوثيق الفني والثقافي في القرون الماضية، هناك الكثير من الأعمال في موروثنا الشعبي نجهل مؤلفيها.

التوثيق مهم في جميع المراحل، حتى وإن كنا نعيش في عصر التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل، مثال على ذلك، لدى الملحن الإماراتي القدير خالد ناصر ألحان انتشرت على أنها فلكلور، وبالتحديد لحن «مشغوب» و«حبكم وسط الحشا» بصوت السندباد راشد الماجد، لدرجة أن البعض ركّب قصائد أخرى عليها، رغم أنها نفّذت في بداية القرن الـ21 وهي موثّقة باسمه.

مثال آخر هي أبيات سمعناها في جميع سباقات الهجن على التلفزيون، وهي:

حيوا الهجن المضمراتي.. يا حي مركوب الذلايل

جيل كامل يحفظ هذه الأبيات دون معرفة صاحبها أو حتى من قام بأدائها، وفي لقاء تلفزيوني مع الفنان الإماراتي المحبوب خالد محمد، ذكر لي حيثيات تسجيل هذا العمل الذي ظل يعرض لسنوات على الإذاعات والتلفزيونات. الطريف أنه في أواخر دقائق تصوير اللقاء أصاب إحدى الإضاءات التماس كهربائي أطفأ النور، وكنا نستطيع أن ننهي الحلقة حيثما انتهت، ولكننا أصررنا أن ننتظر ساعة أخرى حتى إصلاح الإضاءة؛ لنسجل قصة العمل هذا، لأن الفريق أحسّ بمسؤولية توثيق معلومة مهمة كهذه. فوجئنا بأن كاتب هذه الأبيات هو الشاعر الكبير العصري بن كراز المهيري، وقد شارك بصوته بأدائها مع الراحلين جابر جاسم وعبدالله حميد، رحمهما الله، وخالد محمد الذي كان شاباً في مقتبل العمر وقتها، وقد كتبت وسجلت في وقت قياسي في إذاعة أبوظبي، ورغم فرحتي بتوثيق المعلومة، إلا أنني حزنت لعدم وجود أي صورة توثق إبداع هذه المجموعة في إنتاج عمل كهذا ولو كان بسيطاً، فقد تحوّل إلى ما يشبه الأنشودة الرسمية لسباقات الهجن في الإمارات.

البحث والتوثيق هما مسؤوليتنا جميعاً، والعمل الفني المشرف ما هو إلا وثيقة تستفيد منها الأجيال القادمة لفهم البناء الثقافي لمجتمعها، ولابد أن أشير هنا إلى الجهد الكبير الذي يقوم به الأخ سعيد السويدي صاحب مبادرة «الموروث»، رغم أنها مبادرة تهتم بجوانب أخرى عميقة جداً في تاريخنا، إلا أنه يعد من القلائل الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية التوثيق التاريخي، وتحية احترام لكل من يقوم بهذا الدور في الدولة.

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر