الفيزيائي الفنّان وفهم الكون
أعترف للقراء بأنني مستغرب لأنني في الفترة الأخيرة لاحظت زيادة عدد أصدقائي العلماء الذين تحوّلوا إلى كتّاب رواية وفنانين مبدعين؛ بعضهم من علماء الفيزياء الفلكية، والجراحة، وأطباء القلب والعلاج النفسي والأمراض الجلدية، والهندسة المدنية والميكانيكية، وغيرها، يؤدون أعمالهم العلمية في أطراف النهار ويقومون بالكتابة الإبداعية ونظم الشعر والرسم بالزيت، وعزف الموسيقى في آناء الليل. البعض يحسدهم على سهولة انتقالهم من صلابة الموضوعية العلمية إلى رخاوة الفن والكتابة الإبداعية.
غالبًا ما يُنظر إلى العلوم والفنون على أنها تخصصات لا يوجد بينها الكثير من التشابه. ولكن الأبحاث أظهرت أن الإبداع الفني والإنجاز العلمي مترابطان بشكل وثيق، من حيث الملامح النفسية، واتجاهات الثيمات، والدوافع. وأبلغ العديد من الأشخاص الذين جمعوا في أعمالهم بين العلم والفن عن أن واحداً من التخصصات قد أثر في عملهم في التخصص الآخر.
نجد العديد من الأمثلة عن العلماء الذين اشتغلوا بالبحث العلمي وفي الوقت
نفسه عملوا كفنانين محترفين واخترعوا تقنيات غيّرت التاريخ، وسجّلوا تنوّع الكائنات الحية، ورسموا طريقهم في البحوث حول الجسم البشري ودمجوا مساعيهم العلمية مع الفن، وأبرز هذه الأمثلة هو ليوناردو دا فينشي (ت. 1519) الذي شرّح جثثاً وطوّر نماذج لطائرات. أظهر ليوناردو عبقريته في مجالات علمية متنوّعة - من تشريح الجسم البشري إلى علم الفلك والهندسة - حيث قام بإجراء التجارب ليفترض ويختبر الظواهر الغامضة. طوّر آلات طائرة استناداً إلى ملاحظاته للطيور، وصمّم أسلحة تلقائية مبتكرة، وقدّم ملاحظات مفصلّة ورسومات للهياكل والعضلات والعظام البشرية. تركزت اهتماماته على التشريح والتصوّر الهندسي إلى خلق بعض أشهر أعماله، بما في ذلك «لوحة موناليزا» (1503-1519) و «العشاء الأخير» (1495-1498).
فإذا انتقلنا لحاضرنا وجدنا أمثلة عدّة، ففي خبر نشرته مجلة هارفارد غازيت الأسبوع الماضي تعاون ِكب ثورن Kip Thorne، الحائز جائزة نوبل للفيزياء عام 2017 وأستاذ الفيزياء النظرية، مع ليا هالوران Lia Halloran، أستاذ مشارك في جامعة تشابمان، في تأليف كتاب يجمع بين العلم والفن: «الجانب الملتوي للكون: رحلة عبر الثقوب السوداء والثقوب الدودية والسفر عبر الزمن والموجات الجاذبة». الكتاب الثقيل يمزج العلوم المعقدة مع فن خيالي ويضم أكثر من 300 لوحة بالحبر الأسود من إبداع هالوران إلى جانب أبيات شعرية بقلم العالِم ثورن منظومة ببساطة الهدف منها توضيح الفكرة مع الإبقاء على قدر من سحر البيان وإيقاع البديع.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.