«المنحة الوَكوف»
لا يستغني الإنسان في يومه عن الطعام والشراب، صغيراً كان أم كبيراً، ولذلك كان إطعام الطعام وإرواء الظمآن من الأعمال الصالحة، وقد جاء بيان فضلها في آيات وأحاديث كثيرة، للدلالة على مكانة هذا العمل وفضله، وتتنوع أعطيات الناس، فمنهم الذي يُقبل على قوت البلد كالتمر أو الأرز ويتعاهد به الفقراء والمحتاجين، ومنهم من يتجاوز قوت البلد والمواد الضرورية إلى الحاجيات فيضمها إلى ما سبق، وبعضهم يصل حرصه وحبه في عمل الخير إلى الكماليات، فلا ينسى أن يزين سلته الغذائية بالحلويات التي يشتهيها الأطفال، فأهل الفضل والبذل بين مقتصد ومحسن وسابق في الإحسان، وكلٌ ضارب في مضمار الأجر بسهم وافر، فنسأل الله لهم الأجر والمثوبة.
وخير ما يمكن أن يقيس به المرء صدقته لغيره أن ينظر إلى نفسه وحاجته اليومية فيقدمها على الاحتياجات غير اليومية أو الشهرية، إن لم يكن قادراً على الجمع بينها كلها، فالرغيف والحليب وجملة أمور منها تكون الحاجة إليها مستمرة بشكل يومي.
وقد مر بي حديث للنبي ﷺ ذكر فيه صنفاً معيناً من الطعام من بين سائر الأصناف الأخرى، وجعل التصدق به من أسباب اقتراب العبد من الجنة - رزقنا الله وإياكم فردوسها - ونظرت في الحياة العملية، فأيقنت أن بيوت الناس لا تستغني عنها، بل يجلبونها كلما فقدوها. فقد سئل النبي ﷺ عن عمل يقرب العبد من الجنة ويباعده من النار، فذكر أعمالاً، كعتق الرقبة، والإحسان إلى ذي الرحم الذي أساء وظلم، وذكر أيضاً فقال «المنحة الوَكوف»، وفي رواية «المنيحة الرغوب»، وفسّرها علماء اللغة الأماجد بأن المراد منها ذات اللبن، فالوَكوف هي الناقة أو الشاة غزيرة اللبن، فيمنح الغني ناقة أو شاة إلى الفقير ليشرب من لبنها ويستفيد من وبرها. فهذا تذكير إلى كل صاحب يد طولى أن يضم هذه المنيحة في طرده الغذائي، أو يتعاهد الأسر المكفولة بتوفيرها لهم.
وفي وقتنا الحالي يتعذر توفير ذوات الدر نفسها، ولكن ينوب مكانها أن يضم نتاجها من الحليب واللبن بكل صوره وأشكاله المتاحة في الأسواق، لأنه المقصود الأخير، وذلك كلما أحب أن يمنح عطاءه لأسرة فقيرة حتى ينال هذا الثواب الخاص.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.