لسنا بمقلدين!

إبراهيم استادي

سويسرا الشرق.. مارلين مونرو العرب.. بيليه العرب!

مسميات وتشبيهات أطلقها بعض المؤلفين والصحافيين على بعض المدن والشخصيات والأحداث في العالم العربي، وفي الحقيقة من رأيي أنها مسميات لا ترفع أبداً من الشأن العربي، ودائماً تضعنا في إطار التبعية وإن كانت تبعية ثقافية. عندما نقوم بهذا فنحن نضع أنفسنا تلقائياً في المرتبة الثانية، وكأن كل ما هو جميل لدينا هو نسخة عربية منقولة من الأصل الغربي.

من شأن هذه المسميات أن تضعف ثقة الجيل بنفسه وبمن سبقه، لأنها تزرع بشكل غير مباشر في ذهنه فكرة أننا غير مبتكرين، وأن كل ما هو متميز لدينا مقلد. قد يتهمني البعض بالمبالغة وبأن هذه التفاصيل الصغيرة لا تعني شيئاً، ولكنني أقول يا أعزائي إن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، كما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، والتفاصيل هي التي تخلق التأثير شيئاً فشيئاً وعلى المدى البعيد.

المشكلة هي أن من خلق هذه المسميات هم الكتاب العرب أنفسهم. لماذا لا نرى أي صحافي غربي يطلق على سيلين ديون ماجدة الرومي الغرب مثلاً؟ أو على أي مدينة أوروبية قاهرة الغرب؟!

علينا أن نزرع في ذهن أجيالنا المقبلة أننا كعرب لدينا استقلاليتنا الثقافية وابتكاراتنا وإبداعنا ونجاحاتنا الأصيلة، وأن في سيرتنا الماضية والحالية أحداثاً مشرفة وشخصيات لامعة، وأن علينا الانطلاق من هذه النقطة إلى العالم، ويجب أن نخاطبه على هذا الأساس. عندما نقوم بذلك فنحن نعيد الثقة في ذهن الإنسان العربي الذي تعرضت سمعته للتشويه في الإعلام العالمي لسنوات. المسألة أعمق بكثير من مجرد تشبيهات ومسميات كالأمثلة التي ذكرتها في البداية، إنها ترسيخ فكرة في الذهن.

صورة فرنسا كبلد للجمال وإيطاليا كبلد للموضة، وفكرة الحلم الأميركي التي تؤمن بها نسبة كبيرة من سكان العالم؛ لم تنتشر إلا بدسّ الأفكار هذه في تفاصيل صغيرة في المنتج الفني والإعلامي الذي يصدرونه إلى العالم لسنوات، لأن الوصول إلى هدف ما يحتاج إلى استراتيجية وصبر وإيمان وعمل جاد ومستمر. لا تنجح الحملات الإعلامية الموقتة في ترسيخ فكرة أو تغيير صورة ذهنية أو ثقافة ما لمدة طويلة ولأجيال مقبلة.

إن هذه المسميات - للأسف - عاشت طويلاً في الإعلام وذهن الإنسان العربي، وآن الأوان أن يتم نسفها وإعادة تقديم أنفسنا إلى العالم بصورة جديدة وواعية، واستثمار تاريخنا الغني خير استثمار. لسنا بحاجة لتشبيه تجاربنا وأيقوناتنا العلمية والفنية والرياضية بنظيرتها في الغرب بهذه الصورة، فبيروت هي بيروت وليست سويسرا، وهند ليست مارلين، وماجد ليس بيليه!

@ibrahimustadi

 

قراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر