«كاسيت»

إبراهيم استادي

قبل أسابيع حضرت فعالية أقيمت في مدينة العين الجميلة اسمها «كاسيت»، من تنظيم «أبوظبي للثقافة»، وكان الفنان ياسر النيادي مشرفاً على الفعالية بكل تفاصيلها، وقد أحيا الأمسية مجموعة من الفنانين الإماراتيين الذين أبدعوا بأدائهم لأغاني مقدمات المسلسلات القديمة.

عندما بدأت فقرة أغاني مسلسلات الكرتون التي استمتع بها الجمهور لما تحمله من ذكريات، استوقفني عامل مشترك بين جميع كلماتها التي كانت باللغة العربية الفصحى، والصور الشعرية فيها بديعة، وتحمل قيماً إنسانية عميقة جداً، فاستغربت كيف كان هذا النمط سائداً في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وكنا نحفظها بسهولة، والدليل هو الجمهور الذي كان يردد مع الفنانين. كان يجلس بجانبي الفنان والمخرج القدير عارف الطويل الذي كان له نصيب من تلك الأعمال الكرتونية، فقد كان «يدبلج» الكثير منها في تلك الفترة، وأكد لي أن الكلمات كانت تكتب بحذر وعناية ودقة شديدة لأنها موجهة إلى الطفل.

هذا دفعني لمراجعة البرامج وأفلام الكرتون التي كانت تقدم في تلك الفترة، ولاحظت أنه بغض النظر عن المعايير التقنية، فإن المعايير الفكرية لأعمال الطفل كانت عالية جداً ولا يستهان بها ولا بعقل المشاهد، والكلمات منتقاة بشكل يجعلك تفهم الجهد المبذول فكرياً قبل الكتابة، ولكن هل كان هذا يناسب فقط أطفال الأمس؟ وهل من الممكن اليوم أن تكتب أغاني بهذا العمق ويستقبلها ويتقبلها طفل اليوم؟

لاحظ حولك دائماً أي طفل يشاهد كرتوناً على الـ«يوتيوب»، سترى أن معظم الأعمال المشاهدة أجنبية، والكثير منها لا يكون أبطالها شخصيات بشرية مرسومة، بل كائنات غريبة، ومن النادر أن تسمع طفلاً يردد أغنية «تتر» مسلسل كرتوني بالعربية في هذا الوقت، رغم أن الأعمال العربية للطفل مازالت موجودة ولم تندثر تماماً، إلا أن ذلك الزخم في الإنتاج لم يعد موجوداً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم الأعمال التي كنا نشاهدها كانت «مدبلجة» ولم تكن عربية في الأصل.

هنا يجب أن نتوقف قليلاً ونفكر بأطفال اليوم، من الضروري جداً الاهتمام بتشكيل ذائقتهم وفكرهم خصوصاً مع وجود كل التقنيات، ووجود الحاجة الملحة لمحتوى عربي للأطفال، ولكن بجودة فنية عالية تضاهي الإنتاج العالمي، صحيح أن كلفتها ستكون باهظة، ولكن المردود الفكري لأجيال المستقبل يستحق الاستثمار لأجله، ولن نستطيع أن نواجه موجة الأعمال الأجنبية إلا بإنتاج أعمال عربية تنافسها على جميع المستويات. وفي عالم ثورة المعلومات المفتوح، فإن الوالدين هما أول جهة رقابة عليها أن تنتقي بعناية ما يشاهده أطفالهما.

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر