رسالة إلى العام الجديد
صباح الخير أيها العام الجديد.. «كل عام وأنتم بخير». أليست هذه هي الأمنية التي ننقلها من عام إلى عام، ولست أدري هل هي من باب «تفاءلوا بالخير تجدوه»، أو سيختصرها في نهاية السنة المقبلة ما قاله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بأن الأماني بضاعة الحمقى؟ هل نستقبلك بتفاؤل مي زيادة التي خاطبت عامها الجديد حالمة: «تعالَ نُعطِك القبلات السنوية الثلاث: فعلى جبينك قبلة الرجاء، وعلى ابتسامتك قبلة الوداد، وعلى يديك قبلة الالتماس والتوسّل»؟ أو ستُهِلُّ علينا بواقعية مريرة كذاك الشاعر الذي كتب يوماً: «يا عامُ.. كيف أُسَرُّ فيكَ وأنتَ تسرِقُ من حياتي؟/أشكوكَ يا مَن تَنهبُ الأعمارَ لو تُجدي شَكاتي!»؟
صباح الخير أيها العام الجديد.. بما أنك مولود حديثاً وتجهل ما اقترف سلفك أرى واجباً عليّ أن أخبرك أنّ وصيّة محمود درويش: «وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيتِكَ، فكِّرْ بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ»، لاتزال سارية المفعول وصالحةً أكثر من أي وقت مضى، فالعالم يزداد قبحاً ويتجرد من إنسانيته بوتيرة متسارعة، والضعيفان - المرأة والطفل - هما أول من يدفع الأثمان، فكم من أمّ ودعت ابناً «حلو وشعره كيرلي»، وكم من جدّ وسّد التراب بنتاً هي بالنسبة له «روح الروح». أما نحن البشر فالتكنولوجيا - كثّر الله خيرها – فبقدر ما أسهمت في تطور البشرية بقفزات فلكية حوّلتنا إلى شعوب مستهلكة ومجرد لاهثين وراء آخر صرعاتها، وسجنتنا في جوالات بحجم كفّ أيدينا، وأبدلت عالمنا الواقعي بعالم افتراضي موازٍ يَكتب التاريخ فيه مؤثرو «السوشيال ميديا» و«الفاشينيستات»، ويُعطى فيه مجدُ العروش للمهابيل وهزّازي الكروش.
صباح الخير أيها العام الجديد.. لن أهجو سلفك – وهو يستحق الهجاء – كما فعلت فدوى طوقان حين كتبت شامتة: «بعد أن جرّعنا من كأسه المرّ الحقود/بعد أن أوسعنا لؤماً وغدراً وجحود/غاب عنّا وجهه الممقوت.. لا عاد لنا»، فكل نجاحاتنا وأفراحنا الصغيرة تتلاشى أمام المآسي الكبرى. ومع كل هذا سأستقبلك كما يليق بمولود جديد، راجية من كرم الله أن يكون مَقدَمُك بالخير فتنتهي المأساة التي أدمت قلوبنا ولاتزال، إذ نحن محكومون بالتفاؤل وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، ومازلت أرى رغم كل ما جرى ويجري أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
DrParweenHabib1@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.