طائرتي والجسمي

إبراهيم استادي

كنت قد انتهيت من عمود هذا الأسبوع ومستعد لإرساله إلى الصحيفة، ولكن ها أنا في المطار وبانتظار موعد الإقلاع أقرر أن أرسل عموداً آخر تماماً بعد أن شاهدت مقتطفات على هاتفي من إطلالة الفنان حسين الجسمي على «تلفزيون دبي»، في حلقة خاصة بعنوان «في حب أشعار صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم».

كعادته، يبهرنا بجمال أدائه المباشر الذي يزداد نضوجاً وتطوّراً مع السنوات، وفي الحقيقة لا أستغرب أبداً هذا الإتقان والإبداع منه، فهو لم يعتمد على موهبته فحسب، فهناك أسباب علمية وعملية جعلته اليوم أحد أهم الأصوات في العالم العربي، ورمزاً فنياً نفتخر به في الدولة.

لقد أخبرني أحد الموسيقيين الكبار بأن الجسمي كان يحرص على تجويد أدائه على الدوام، وكان مستمعاً جيداً لملاحظات الموسيقيين ذوي الخبرة، وكان يتطوّع في بعض الأحيان لتركيب صوته على أغنية جديدة لفنان آخر ليكون دليلاً له عندما يسجلها، هذا ويمكنك سماع صوته في كورال مجموعة من أجمل الأغاني في بدايات الألفية الثانية إن دققت في السمع، وكل هذه التراكمات جعلته اليوم يقف على أي مسرح بثقة كبيرة وأمام أي عدد من الجمهور.

ولكن هل توقف هنا؟ كلا، فقد حرص على صورة فنية ملتزمة رغم تجديده الموسيقي ونجاح وانتشار أعماله، فهو لم يخض بعمق في لعبة «الفيديو كليب»، التي قد تحيد الفنان عن خطه في بعض الأحيان من باب التجديد، فيقع ضحية وهم المعاصرة الفنية البصرية التي قد تؤثر في صورته الذهنية عند الجمهور.

نقطة أخرى توضح المهنية العالية لهذا الفنان، فبناءً على عملي السابق في الإذاعة وتعاملي المباشر مع مكاتب الفنانين، لن أذيع سراً لو قلت إن مكتبه من أكثر المكاتب مهنية، ففريقه يقوم باستمرار بالتواصل مع الإذاعات مع إرسال الأعمال مع التنازل القانوني، وما هذا إلا فن إداري ذكي جداً، لأنه يحافظ على علاقة مستدامة ومتميزة مع وسائل الإعلام، وهذا يفتقر إليه الكثير من الفنانين.

لقد أبحر ابن خورفكان الساحرة في الفن بمهارة، وكان قبطاناً ناجحاً في قيادة رحلته الفنية، ونجح في إيصال صوته إلى جماهير واسعة في الوطن العربي رغم صعوبة ذلك، ووراء هذا النجاح الذي امتد لأكثر من عقدين كفاح كثير والتزام تام بالمهنة دون شوشرة وشائعات ومهاترات ووجود إعلامي مكثف دون قيمة، وها أنا أوبخ الآن من قِبل موظف الطيران، لأنني لم أنهض من كرسي الانتظار انشغالاً بهذا المقال، وكدت أن أفوّت رحلتي!

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر