فلسفة اللامبالاة.. ملاذنا للسلام الداخلي
في تجمع للأصدقاء في مدينة لوس أنجلوس، طُلِبَ مني أن أعبّر عن رأيي حول كيفية التكيّف مع عالم مملوء بالأزمات والحروب والكوارث الطبيعية وما إلى ذلك. قلت: إنّ الفلسفة اليونانية للرواقيين، قد تقدم لنا بعض الإرشادات. «أخبرنا!».. سألني أحد الحاضرين.
تعد فلسفة اللامبالاة، المعروفة أيضاً بفلسفة الرواقيين Stoicism، والتي ظهرت في القرن الرابع قبل الميلاد، من السبل التوجيهية التي قدمتها للناس حول كيفية التعايش في مجتمع يتسم بالضوابط والقيود. في وقت يعج بالصراعات والحروب والتحديات المتعددة، تقدم هذه الفلسفة، التي صاغها الفلاسفة القدماء مثل زينو وإبكتيتوس خطوات عملية، لتحقيق السعادة في الحياة اليومية.
ماذا يفعل الناس وهم غير قادرين على إحداث التغيير في حياتهم أو مجتمعهم؟ الحقيقة أن الرواقيين قالوا إنهم لا يستطيعون أن يغيروا شيئاً إلا موقفهم من الحياة، وقدموا الخطوات المطلوبة لتحقيق ذلك.
- اعتنق الفضيلة كأعلى قيمة: آمن فلاسفة اللامبالاة أن مفتاح حياة هانئة يكمن في تنمية الفضائل مثل الحكمة والشجاعة والعدل والاعتدال.
- قبول ما لا يمكن تغييره: ميّز ما يمكنك التحكم فيه وما لا يمكن. ركِّز طاقتك على الأمور التي يمكنك التأثير فيها، وتقبّل بسكينة تلك الجوانب في الحياة التي تكون خارجة عن سيطرتك.
- تصوّر أسوء النتائج: تخيل فقدان الأشياء التي تعدها ذات قيمة، سواء كانت ممتلكات أو علاقات أو وجاهة اجتماعية. تساعد هذه التمرينات في تقدير ما تمتلك فهذا يعدك عقلياً للتغييرات الحياتية الحتمية.
- عِش وفقاً للطبيعة: يعني عِش في وئام مع الترتيب الطبيعي للكون. اسعَ إلى العيش حياة بسيطة ومعتدلة، وابحث عن الرضا في الأمور الأساسية، وابتعد عن الرغبات الزائدة.
- ممارسة ضبط النفس: مارس ضبط النفس، للتغلب على العواطف والعادات الضارة. من خلال التأمل والوعي الذاتي، أحكم السيطرة على الاندفاعات والتفاعلات، مع تعزيز السلام الداخلي والصمود أمام التحديات.
- تطوير الوعي والتأمل: خصّص وقتاً للتأمل والتفكير الذاتي.
- واجه التحديات بالمرونة: اقترب من التحديات بعقلية الفيلسوف اللامبالي، اعتبرها فرصاً للنمو والتعلم. عليك تبني المرونة من خلال الاعتراف بالصعوبات كجزء طبيعي من الحياة واستخدامها لتنقيح شخصيتك.
في عصرنا الحديث، تظهر أهمية هذه الفلسفة في تعزيز مرونة الفرد ورفاهيته العاطفية أمام تحديات الحياة المعقدة، وبالنظر إلى الجوانب الإيجابية التي تقدمها في تحقيق التوازن والسلام الداخلي، يبدو أن فلسفة اللامبالاة تقترح نموذجاً لحياة أكثر تناغماً مع أحوال عالمنا المعاصر.
* باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه