دوائر الأيام
تترك خلفها حياة كاملة واستقراراً وطفلاً يخطو أولى خطواته، انتصاراً لأنانية تربت عليها، وكبرياء زائف، وتشدد في الرأي، فتدور دوائر الأيام سريعاً لتعاني الوحدة وآلام الشيخوخة، وتموت مقهورة بالندم.
يتفنن في خداع بنات الناس، ويتباهى بتعدد وكثرة من عرفهن وتخلى عنهن، ثم يتزوج وينجب ثلاث بنات، يكبرن فتدور الأيام، ويصبحن حديث القرية التي يعيش فيها لسوء مسلكهن.
تقذف زوجة أخيها بما ليس فيها، وتُحيل حياتها جحيماً، لتدور دوائر الأيام، وتمرض حتى يتهالك جسدها، فتتوسل الصفح والغفران، ولكن بعد فوات الأوان.
يظل يوشي بزميله في العمل، وتدور دوائر الأيام، ليجد نفسه بلا عمل خمس سنوات متواصلة، تنتهي به مسجوناً في قضية نصب.
يعقّ أباه وأمه، فيعقه أبناؤه، يتطاول على زوجته، فيحتاجها لتطبب مرضه، يغش الناس في طعامهم، فتصاب ابنته الوحيدة بمرض عضال.
قصص وحكايات لا ينتهي حصرها، عنوانها الأوحد «كل ساقٍ يُسقى بما سقى»، هكذا الأيام سريعة الدوران، متقلبة الأحوال، وعجيبة الأفعال، وقصيرة لمن يفهم أن لا شيء يستحق.
نتأكد كلما تقدم بنا العمر أن وجودنا في الحياة عابر، وأفعالنا وأقوالنا ومواقفنا انعكاس لما تربينا عليه، واكتسبناه من خبرات، وما واجهنا من انكسارات وهزائم على طول الرحلة.
تكافئ الأيام أصحاب النفوس السوية بما يرضيهم وأكثر، وتختم لهم بنهايات سعيدة، وتعاقب أهل المكر والشر بما يستحقونه، والعاقل من اتعظ بتجارب غيره.
تدور الأيام وفق قانون سماوي عادل، بأن «ما ينفع الناس يمكث في الأرض»، وأن ظلام الظلم مهما طال لابد من صبح يجليه ويبدد وحشته.
تدور الأيام لينتصر الخير والسلام والحق بعد كل حكاية حزينة أو وجع أو فراق، ليتأكد من اختاروا جادة الطريق أن كل الطيب والحب والشرف والأمانة التي تعاملوا بها لم تذهب هباء، ولتُرد المظالم، وتقتص الحياة ممن اعتادوا أذية من حولهم، واستمتعوا بانكساراتهم.
ليختار كل منا ما يريد أن يناله، ويقول ما يتوق إلى سماعه، ويفعل ما يحب أن يلقاه، فالأيام تعاملنا بالطريقة ذاتها التي نعامل بها من حولنا.
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.